قوله تعالى * (قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إنى عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون) *.
وأما قوله (ويستخلف من بعدكم) يعنى من بعد إذهابكم. لان الاستخلاف لا يكون إلا على طريق البدل من فائت. وأما قوله (ما يشاء) فالمراد منه خلق ثالث ورابع، واختلفوا فقال بعضهم: خلقا آخر من أمثال الجن والانس يكونون أطوع، وقال أبو مسلم: بل المراد أنه قادر على أن يخلق خلقا ثالثا مخالفا للجن والانس قال القاضي: وهذا الوجه أقرب لان القوم يعلمون بالعادة أنه تعالى قادر على إنشاء أمثال هذا الخلق فمتى حمل على خلق ثالث ورابع يكون أقوى في دلالة القدرة، فكأنه تعالى نبه على أن قدرته ليست مقصورة على جنس دون جنس من الخلق الذين يصلحون لرحمته العظيمة التي هي النواب، فبين بهذا الطريق أنه تعالى لرحمته لهؤلاء القوم الحاضرين أبقاهم وأمهلهم ولو شاء لأمهلهم وأفناهم وأبدل بهم سواهم. ثم بين تعالى علة قدرته على ذلك فقال (كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) لان المرء العاقل إذا تفكر على أنه تعالى خلق الانسان من نطفة ليس فيها من صورته قليل ولا كثير، فوجب أن يكون ذلك بمحض القدرة والحكمة، وإذا كان الامر كذلك فكما قدر تعالى على تصوير هذه الأجسام بهذه الصورة الخاصة، فكذلك يقدر على تصويرهم بصورة مخالفة لها. وقرأ القراء كلهم (ذرية) بضم الذال وقرأ زيد بن ثابت بكسر الذال. قال الكسائي: هما لغتان.
ثم قال تعالى (إنما توعدون لآت) قال الحسن: أي من مجىء الساعة، لأنهم كانوا ينكرون القيامة، وأقول فيه احتمال آخر: وهو أن الوعد مخصوص بالاخبار عن الثواب، وأما الوعيد فهو مخصوص بالاخبار عن العقاب فقوله (إنما توعدون لآت) يعنى كل ما تعلق بالوعد بالثواب فهو آت لا محالة، فتخصيص الوعد بهذا الجزم يدل على أن جانب الوعيد ليس كذلك ويقوى هذا الوجه آخر الآية، وهو أنه قال (وما أنتم بمعجزين) يعنى لا تخرجون عن قدرتنا وحكمنا، فالحاصل أنه لما ذكر الوعد جزم بكونه آتيا، ولما ذكرا الوعيد، ما زاد على قوله (وما أنتم بمعجزين) وذلك يدل على أن جانب الرحمة والاحسان غالب.
قوله تعالى (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون)