المراد نفخ الروح في تلك الصور لأضاف تعالى ذلك النفخ إلى نفسه لأن نفخ الأرواح في الصور يضيفه الله إلى نفسه، كما قال: * (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) * (الحجر: 29) وقال: * (فنفخنا فيها من روحنا) * وقال: * (ثم أنشأناه خلقا آخر) * وأما نفح الصور بمعنى النفخ في القرن، فإنه تعالى يضيفه لا إلى نفسه كما قال: * (فإذا نقر في الناقور) * (المدثر: 8) وقال: * (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) * (الزمر: 68) فهذا تمام القول في هذا البحث، والله أعلم بالصواب.
قوله تعالى * (وإذ قال إبرهيم لابيه ءازر أتتخذ أصناما ءالهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه سبحانه كثيرا يحتج على مشركي العرب بأحوال إبراهيم عليه السلام وذلك لأنه يعترف بفضله جميع الطوائف والملل فالمشركون كانوا معترفين بفضله مقرين بأنهم من أولاده واليهود والنصارى والمسلمون كلهم معظمون له معترفون بجلالة قدره. فلا جرم ذكر الله حكاية حاله في معرض الاحتجاج على المشركين.
واعلم أن هذا المنصب العظيم وهو اعتراف أكثر أهل العلم بفضله وعلو مرتبته لم يتفق لأحد كما اتفق للخليل عليه السلام، والسبب فيه أنه حصل بين الرب وبين العبد معاهدة. كما قال: * (أوفوا بعهدي أوف بعهدكم) * (البقرة: 40) فإبراهيم وفى بعهد العبودية، والله تعالى شهد بذلك على سبيل الإجمال تارة وعلى سبيل التفصيل أخرى. أما الإجمال ففي آيتين إحداهما قوله: * (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) * (البقرة: 124) وهذا شهادة من الله تعالى بأنه تمم عهد العبودية. والثانية قوله تعالى: * (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) * (البقرة: 131) وأما التفصيل: فهو أنه عليه السلام ناظر في إثبات التوحيد وإبطال القول بالشركاء والأنداد في مقامات كثيرة.
فالمقام الأول: في هذا الباب مناظراته مع أبيه حيث قال له: * (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) * (مريم: 42).
والمقام الثاني: مناظرته مع قومه وهو قوله: * (فلما جن عليه الليل) * (الأنعام: 76).