أما قوله: * (يقصون عليكم آياتي) * فالمراد منه التنبيه على الأدلة بالتلاوة وبالتأويل * (وينذرونكم لقاء يومكم هذا) * أي يخوفونكم عذاب هذا اليوم فلم يجدوا عند ذلك إلا الاعتراف، فلذلك قالوا: شهدنا على أنفسنا.
فإن قالوا: ما السبب في أنهم أقروا في هذه الآية بالكفر وجحدوه في قوله: * (والله ربنا ما كنا مشركين) *.
قلنا: يوم القيامة يوم طويل والأحوال فيه مختلفة، فتارة يقرون، وأخرى يجحدون، وذلك يدل على شدة خوفهم واضطراب أحوالهم، فإن من عظم خوفه كثر الاضطراب في كلامه.
ثم قال تعالى: * (وغرتهم الحياة الدنيا) * والمعنى أنهم لما أقروا على أنفسهم بالكفر، فكأنه تعالى يقول: وإنما وقعوا في ذلك الكفر بسبب أنهم غرتهم الحياة الدنيا.
ثم قال تعالى: * (وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) * والمراد أنهم وإن بالغوا في عداوة الأنبياء والطعن في شرائعهم ومعجزاتهم، إلا أن عاقبة أمرهم أنهم أقروا على أنفسهم بالكفر، ومن الناس من حمل قوله: * (وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) * بأن تشهد عليهم الجوارح بالشرك والكفر، ومقصودهم دفع التكرار عن الآية، وكيفما كان، فالمقصود من شرح أحوالهم في القيامة زجرهم في الدنيا عن الكفر والمعصية.
واعلم أن أصحابنا يتمسكون بقوله تعالى: * (ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا) * على أنه لا يحصل الوجوب البتة قبل ورود الشرع، فإنه لو حصل الوجوب واستحقاق العقاب قبل ورود الشرع لم يكن لهذا التعليل والذكر فائدة.
قوله تعالى * (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) *.
اعلم أنه تعالى لما بين أنه ما عذب الكفار إلا بعد أن بعث إليهم الأنبياء والرسل بين بهذه الآية أن هذا هو العدل والحق والواجب، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": قوله: * (ذلك) * إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وإنذارهم سوء العاقبة وهو خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: الأمر ذلك.
وأما قوله: * (أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) * ففيه وجوه: أحدها: أنه تعليل، والمعنى: