أن يقولوا: استمتع بعضنا ببعض، وبلغنا ما سميت لنا من الأجل إلا من شئت أن تخترمه فاخترمته قبل ذلك بكفره وضلاله.
واعلم أن هذا الوجه وإن كان محتملا إلا أنه ترك لظاهر ترتيب ألفاظ هذه الآية. ولما أمكن إجراء الآية على ظاهرها فلا حاجة إلى هذا التكلف.
ثم قال: * (إن ربك حكيم عليم) * أي فيما يفعله من ثواب وعقاب وسائر وجوه المجازاة، وكأنه تعالى يقول: إنما حكمت لهؤلاء الكفار بعذاب الأبد لعلمي أنهم يستحقون ذلك. والله أعلم.
المسألة الرابعة: قال أبو علي الفارسي: قوله: * (النار مثواكم) * المثوى اسم للمصدر دون المكان لأن قوله: * (خالدين فيها) * حال واسم الموضع لا يعمل عمل الفعل فقوله: * (النار مثواكم) * معناه: النار أهل أن تقيموا فيها خالدين.
قوله تعالى * (وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) *.
المسألة الأولى: في الآية فوائد:
الفائدة الأولى: اعلم أنه تعالى لما حكى عن الجن والإنس أن بعضهم يتولى بعضا بين أن ذلك إنما يحصل بتقديره وقضائه، فقال: * (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) * والدليل على أن الأمر كذلك. أن القدرة صالحة للطرفين أعني العداوة والصداقة، فلولا حصول الداعية إلى الصداقة لما حصلت الصداقة، وتلك الداعية لا تحصل إلا بخلق الله تعالى قطعا للتسلسل. فثبت بهذا البرهان أنه تعالى هو الذي يولي بعض الظالمين بعضا. وبهذا التقرير تصير هذه الآية دليلا لنا في مسألة الجبر والقدر.
الفائدة الثانية: أنه تعالى لما بين في أهل الجنة أن لهم دار السلام، بين أنه تعالى وليهم بمعنى الحفظ والحراسة والمعونة والنصرة، فكذلك لما بين حال أهل النار ذكر أن مقرهم ومثواهم النار، ثم بين أن أولياءهم من يشبههم في الظلم والخزي والنكال وهذه مناسبة حسنة لطيفة.
الفائدة الثالثة: كاف التشبيه في قوله: * (وكذلك نولي) * تقتضي شيئا تقدم ذكره، والتقدير: كأنه قال كما أنزلت بالجن والإنس الذين تقدم ذكرهم العذاب الأليم الدائم الذي لا مخلص منه * (كذلك نولي بعض الظالمين بعضا) *.
الفائدة الرابعة: * (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) * لأن الجنسية علة الضم، فالأرواح