مرارا وأطوارا، ولا شك أنه انما اشتغل بدعوة أبيه بعد فراغه من مهم نفسه فثبت أن هذه الواقعة انما وقعت بعد أن عرف الله بمدة (الحجة الرابعة) أن هذه الواقعة انما وقعت بعد أن أراه الله ملكوت السماوات والأرض حتى رأى من فوق العرش والكرسي وما تحتهما إلى ما تحت الثرى، ومن كان منصبه في الدين كذلك، وعلمه بالله كذلك، كيف يليق به أن يعتقد الهية الكواكب؟
(الحجة الخامسة) أن دلائل الحدوث في الأفلاك ظاهرة من خمسة عشر وجها وأكثر ومع هذه الوجوه الظاهرة كيف يليق بأقل العقلاء نصيبا من العقل والفهم أن يقول بربوبية الكواكب فضلا عن أعقل العقلاء وأعلم العلماء؟
(الحجة السادسة) أنه تعالى قال في صفة إبراهيم عليه السلام (إذ جاء بقلب سليم) وأقل مراتب القلب السليم أن يكون سليمان عن الكفر، وأيضا مدحه فقال (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين) أي آتيناه رشده من قبل من أول زمان الفكرة. وقوله (وكنا به عالمين) أي بطهارته وكماله ونظيره قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالاته) (الحجة السابعة) قوله (وكذلك ترى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) أي وليكون بسبب تلك الاراءة من الموقنين ثم قال بعده (فلما جن عليه الليل) والفاء تقتضى الترتيب، فثبت أن هذه الواقعة انما وقعت بعد أن صار إبراهيم م الموقنين العارفين بربه (الحجة الثامنة) أن هذه الواقعة انما حصلت بسبب مناظرة إبراهيم عليه السلام مع قومه، والدليل عليه أنه تعالى لما ذكر هذه القصة قال (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) ولم يقل على نفسه، فعلم أن هذه المباحثة انما جرت مع قومه لأجل أن يرشدهم إلى الايمان والتوحيد.
لا لأجل أن إبراهيم كان يطلب الدين والمعرفة لنفسه (الحجة التاسعة) أن القوم يقولون إن إبراهيم عليه السلام انما اشتغل بالنظر في الكواكب والقمر والشمس حال ما كان في الغار، وهذا باطل. لأنه لو كان الامر كذلك، فكيف يقول (يا قوم انى برى مما تشركون) مع أنه ما كان في الغار لا قوم ولا ضم (الحجة العاشرة) قال تعالى (وحاجة قومه قال أتحاجوني في الله) وكيف يحاجونه وهم بعد ما رأوه وهو ما رآهم وهذا يدل على أنه عليه السلام انما اشتغل بالنظر في الكواكب والقمر والشمس بعد أن خالط قومه ورآهم يعبدون الأصنام ودعوة إلى عبادتها فذكر قوله (لا أحب الآفلين) ردا عليهم وتنبيها لهم على فساد قولهم.