فإن قيل: كيف حسن عطف قوله: * (وأن أقيموا الصلاة) * على قوله: * (وأمرنا لنسلم لرب العالمين) *؟
قلنا: ذكر الزجاج فيه وجهين: الأول: أن يكون التقدير، وأمرنا فقيل لنا أسلموا لرب العالمين وأقيموا الصلاة.
فإن قيل: هب أن المراد ما ذكرتم، لكن ما الحكمة في العدول عن هذا اللفظ الظاهر والتركيب الموافق للعقل إلى ذلك اللفظ الذي لا يهتدي العقل إلى معناه إلا بالتأويل؟
قلنا: وذلك لأن الكافر ما دام يبقى على كفره، كان كالغائب الأجنبي فلا جرم يخاطب بخطاب الغائبين، فيقال له: * (وأمرنا لنسلم لرب العالمين) * وإذا أسلم وآمن ودخل في الإيمان صار كالقريب الحاضر، فلا جرم يخاطب بخطاب الحاضرين، ويقال له: * (وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون) * فالمقصود من ذكر هذين النوعين من الخطاب التنبيه على الفرق بين حالتي الكفر والإيمان، وتقريره أن الكافر بعيد غائب والمؤمن قريب حاضر. والله أعلم.
قوله تعالى * (وهو الذى خلق السماوات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ فى الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير) *.
اعلم أنه تعالى لما بين في الآيات المتقدمة فساد طريقة عبدة الأصنام، ذكر ههنا ما يدل على أنه لا معبود إلا الله وحده وهو هذه الآية، وذكر فيها أنواعا كثيرة من الدلائل. أولها: قوله * (وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق) * أما كونه خالقا للسموات والأرض، فقد شرحنا في قوله: * (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض) * وأما أنه تعالى خلقهما بالحق فهو نظير لقوله تعالى في سورة آل عمران * (ربنا ما خلقت هذا باطلا) * (آل عمران: 191) وقوله: * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) * (الأنبياء: 16) * (ما خلقناهما إلا بالحق) * (الدخان: 39) وفيه قولان.
القول الأول: وهو قول أهل السنة أنه تعالى مالك لجميع المحدثات مالك لكل الكائنات وتصرف للمالك في ملكه حسن وصواب على الإطلاق، فكان ذلك التصرف حسنا على الإطلاق وحقا على الإطلاق.