حرف الاستفهام استغناء عنه لدلالة الكلام عليه.
والوجه الرابع: أن يكون القول مضمرا فيه، والتقدير: قال يقولون هذا ربي. وإضمار القول كثير، كقوله تعالى: * (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا) * (البقرة: 127) أي يقولون ربنا وقوله: * (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلى ليقربونا إلا الله زلفى) * (الزمر: 3) أي يقولون ما نعبدهم، فكذا ههنا التقدير: إن إبراهيم عليه السلام قال لقومه: يقولون هذا ربي. أي هذا هو الذي يدبرني ويربيني.
والوجه الخامس: أن يكون إبراهيم ذكر هذا الكلام على سبيل الاستهزاء كما يقال لذليل ساد قوما هذا سيدكم على سبيل الاستهزاء. الوجه السادس: أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب إلا أنه عليه السلام كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبعد طباعهم عن قبول الدلائل أنه لو صرح بالدعوة إلى الله تعالى لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه، فمال إلى طريق به يستدرجهم إلى استماع الحجة. وذلك بأن ذكر كلاما يوهم كونه مساعدا لهم على مذهبهم بربوبية الكواكب مع أن قلبه صلوات الله عليه كان مطمئنا بالإيمان، ومقصوده من ذلك أن يتمكن من ذكر الدليل على إبطاله وإفساده وأن يقبلوا قوله وتمام التقرير أنه لما يجد إلى الدعوة طريقا سوى هذا الطريق، وكان عليه السلام مأمورا بالدعوة إلى الله كان بمنزلة المكره على كلمة الكفر، ومعلوم أن عند الإكراه يجوز إجراء كلمة الكفر على اللسان قال تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * (النحل: 106) فإذا جاز ذكر كلمة الكفر لمصلحة بقاء شخص واحد فبأن يجوز إظهار كلمة الكفر لتخليص عالم من العقلاء عن الكفر والعقاب المؤبد كان ذلك أولى وأيضا المكره على ترك الصلاة لو صلى حتى قتل استحق الأجر العظيم، ثم إذا جاء وقت القتال مع الكفار وعلم أنه لو اشتغل بالصلاة انهزم عسكر الإسلام فههنا يجب عليه ترك الصلاة والاشتغال بالقتال. حتى لو صلى وترك القتال أثم ولو ترك الصلاة وقاتل استحق الثواب، بل نقول: أن من كان في الصلاة فرأى طفلا أو أعمى أشرف على غرق أو حرق وجب عليه قطع الصلاة لإنقاذ ذلك الطفل أو ذلك الأعمى عن ذلك البلاء. فكذا ههنا أن إبراهيم عليه السلام تكلم بهذه الكلمة ليظهر من نفسه موافقة القوم حتى إذا أورد عليهم الدليل المبطل لقولهم كان قبولهم لذلك الدليل أتم وانتفاعهم باستماعه أكمل، ومما يقوي هذا الوجه: أنه تعالى حكى عنه مثل هذا الطريق في موضع آخر وهو قوله: * (فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم * فتولوا عنه مدبرين) * (الصافات: 88 - 90) وذلك لأنهم كانوا يستدلون بعلم النجم على حصول الحوادث المستقبلة فوافقهم إبراهيم