وأما الجواب الثاني: وهو حمل اللام على لام العاقبة، فهو أيضا بعيد لأن حمل هذه اللام على لام العاقبة مجاز، وحمله على لام الغرض حقيقة، والحقيقة أقوى من المجاز فلو قلنا: " اللام " في قوله: * (وليقولوا درست) * لام العاقبة في قوله: * (ولنبينه لقوم يعلمون) * للحقيقة فقد حصل تقديم المجاز على الحقيقة في الذكر وأنه لا يجوز. فثبت بما ذكرنا ضعف هذين الجوابين وأن الحق ما ذكرنا أن المراد منه عين المذكور في قوله تعالى: * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) * ومما يؤكد هذا التأويل قوله: * (ولنبينه لقوم يعلمون) * يعني أنا ما بيناه إلا لهؤلاء، فأما الذين لا يعلمون فما بينا هذه الآيات لهم، ولما دل هذا على أنه تعالى ما جعله بيانا إلا للمؤمنين ثبت أنه جعله ضلالا للكافرين وذلك ما قلنا. والله أعلم.
* (اتبع مآ أوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين * ولو شآء الله مآ أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا ومآ أنت عليهم بوكيل) *.
قوله تعالى: * (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار أنهم ينسبونه في إظهار هذا القرآن إلى الافتراء أو إلى أنه يدارس أقواما ويستفيد هذه العلوم منهم ثم ينظمها قرآنا ويدعي أنه نزل عليه من الله تعالى، أتبعه بقوله: * (اتبع ما أوحي إليك من ربك) * لئلا يصير ذلك القول سببا لفتوره في تبليغ الدعوة والرسالة، والمقصود تقوية قلبه وإزالة الحزن الذي حصل بسبب سماع تلك الشبهة، ونبه بقوله: * (لا إله إلا هو) * على أنه تعالى لما كان واحدا في الإلهية فإنه يجب طاعته، ولا يجوز الإعراض عن تكاليفه بسبب جهل الجاهلين وزيغ الزائغين.
وأما قوله: * (وأعرض عن المشركين) * فقيل: المراد ترك المقابلة، فلذلك قالوا إنه منسوخ، وهذا ضعيف لأن الأمر بترك المقابلة في الحال لا يفيد الأمر بتركها دائما، وإذا كان الأمر كذلك لم يجب التزام النسخ. وقيل المراد ترك مقابلتهم فيما يأتونه من سفه، وأن يعدل صلوات الله عليه إلى الطريق الذي يكون أقرب إلى القبول وأبعد عن التنفير والتغليظ.
قوله تعالى: * (ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل) *.