الصلاة والسلام وقال: " ما بقاء أمتي إن عوملوا بذلك " فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك فادع ربك لأمتك، فسأل ربه أن لا يفعل بهم ذلك. فقال جبريل: إن الله قد أمنهم من خصلتين أن لا يبعث عليهم عذابا من فوقهم كما بعثه على قوم نوح ولوط، ولا من تحت أرجلهم كما خسف بقارون ولم يجرهم من أن يلبسهم شيعا بالأهواء المختلفة ويذيق بعضهم بأس بعض بالسيف. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة الناجية فرقة " وفي رواية أخرى كلهم في الجنة إلا الزنادقة.
المسألة الثانية: ظاهر قوله: * (أو يلبسكم شيعا) * هو أنه تعالى يحملهم على الأهواء المختلفة والمذاهب المتنافية. وظاهر أن الحق منها ليس إلا الواحد، وما سواه فهو باطل فهذا يقتضي أنه تعالى قد يحمل المكلف على الاعتقاد الباطل وقوله: * (ويذيق بعضكم بأس بعض) * لا شك أن أكثرها ظلم ومعصية، فهذا يدل على كونه تعالى خالقا للخير والشر، أجاب الخصم عنه بأن الآية تدل على أن الله تعالى قادر عليه وعندنا الله قادر على القبيح. إنما النزاع في أنه تعالى هل يفعل ذلك أم لا؟
والجواب: أن وجه التمسك بالآية شيء آخر فإنه قال: * (هو القادر) * على ذلك وهذا يفيد الحصر فوجب أن يكون غير الله غير قادر على ذلك وهذا الاختلاف بين الناس حاصل وثبت بمقتضى الحصر المذكور أن لا يكون ذلك صادرا عن غير الله فوجب أن يكون صادرا عن الله وذلك يفيد المطلوب.
المسألة الثالثة: قالت المقلدة والحشوية: هذه الآية من أدل الدلائل على المنع من النظر والاستدلال، وذلك لأن فتح تلك الأبواب يفيد وقوع الاختلاف والمنازعة في الأديان وتفرق الخلق إلى المذاهب والأديان وذلك مذموم بحكم هذه الآية، والمفضي إلى المذموم مذموم، فوجب أن يكون فتح باب النظر والاستدلال في الدين مذموما وجوابه سهل والله أعلم.
ثم قال تعالى في آخر الآية: * (انظر كيف نصرف الآيات لعلم يفقهون) * قال القاضي: هذا يدل على أنه تعالى أراد بتصريف هذه الآيات وتقرير هذه البينات، أن يفهم الكل تلك الدلائل ويفقه الكل تلك البينات. وجوابنا: بل ظاهر الآية يدل على أنه تعالى ما صرف هذه الآيات إلا لمن فقه وفهم، فأما من أعرض وتمرد فهو تعالى ما صرف هذه الآيات لهم والله أعلم.
قوله تعالى * (وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل * لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون) *.