وما كان خضوعهم إلا له، فلما صاروا بالكلية، لا جرم قال تعالى: * (وهو وليهم) * وهذا إخبار بأنه تعالى متكفل بجميع مصالحهم في الدين والدنيا، ويدخل فيها الحفظ والحراسة والمعونة والنصرة وإيصال الخيرات ودفع الآفات والبليات.
ثم قال تعالى: * (بما كانوا يعملون) * وإنما ذكر ذلك لئلا ينقطع المرء عن العمل، فإن العمل لا بد منه، وتحقيق القول فيه: أن بين النفس والبدن تعلقا شديدا، فكما أن الهيئات النفسانية قد تنزل من النفس إلى البدن، مثل ما إذا تصور أمرا مغضبا ظهر الأثر عليه في البدن، فيسخن البدن ويحمى، فكذلك الهيئات البدنية قد تصعد من البدن إلى النفس، فإذا واظب الإنسان على أعمال البر والخير ظهرت الآثار المناسبة لها في جوهر النفس، وذلك يدل على أن السالك لا بد له من العمل، وأنه لا سبيل له إلى تركه البتة.
قوله تعالى * (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أوليآؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنآ أجلنا الذى أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيهآ إلا ما شآء الله إن ربك حكيم عليم) *.
اعلم أنه تعالى لما بين حال من يتمسك بالصراط المستقيم، بين بعده حال من يكون بالضد من ذلك لتكون قصة أهل الجنة مردفة بقصة أهل النار، وليكون الوعيد مذكورا بعد الوعد، وفيه مسائل: المسألة الأولى: * (ويوم يحشرهم) * منصوب بمحذوف، أي واذكر يوم نحشرهم، أو يوم نحشرهم قلنا يا معشر الجن، أو يوم نحشرهم وقلنا يا معشر الجن، كان ما لا يوصف لفظاعته.
المسألة الثانية: الضمير في قوله: * (ويوم يحشرهم) * إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: يعود إلى المعلوم، لا إلى المذكور، وهو الثقلان، وجميع المكلفين الذين علم أن الله يبعثهم. والثاني: أنه عائد إلى الشياطين الذين تقدم ذكرهم في قوله: * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) * (الأنعام: 112).