الحكم الرابع تدل هذه الآية على أن معارف الأنبياء بربهم استدلالية لا ضرورية، وإلا لما احتاج إبراهيم إلى الاستدلال. الحكم الخامس تدل على هذه الآية على أنه لا طريق إلى تحصيل معرفة الله تعالى إلا بالنظر والاستدلال في أحوال مخلوقاته، إذ لو أمكن تحصيلها بطريق آخر لما عدل إبراهيم عليه السلام إلى هذه الطريقة والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) *.
ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: يقال: بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع، وبزغت الشمس إذا بدأ منها طلوع. ونجوم بوازغ. قال الأزهري: كأنه مأخوذ في البزغ وهو الشق كأنه بنوره يشق الظلمة شقا، ومعنى الآية أنه اعتبر في القمر مثل ما اعتبر في الكوكب.
المسألة الثانية: دل قوله: * (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) * على أن الهداية ليست إلا من الله تعالى. ولا يمكن حمل لفظ الهداية على التمكن وإزاحة الأعذار ونصب الدلائل. لأن كل ذلك كان حاصلا، فالهداية التي كان يطلبها بعد حصول تلك الأشياء لا بد وأن تكون زائدة عليها.
واعلم أن كون إبراهيم عليه السلام على مذهبنا أظهر من أن يشتبه على العاقل لأنه في هذه الآية أضاف الهداية إلى الله تعالى، وكذا في قوله: * (الذي خلقني فهو يهدين) * وكذا في قوله: * (واجنبني وبني أن نبعد الأصنام) *.
أما قوله: * (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: إنما قال في الشمس هذا مع أنها مؤنثة، ولم يقل هذه لوجوه: أحدها: أن الشمس بمعنى الضياء والنور، فحمل اللفظ على التأويل فذكر. وثانيها: أن الشمس لم يحصل فيها علامة التأنيث، فلما أشبه لفظها لفظ المذكر وكان تأويلها تأويل النور صلح التذكير من هاتين الجهتين، وثالثها: أراد هذا الطالع أو هذا الذي أراه، ورابعها: المقصود منه رعاية الأدب، وهو ترك التأنيث عند ذكر اللفظ الدال على الربوبية.