عليهم السلام المتقدمين، وكان من جملة هداهم ترك طلب الأجر في إيصال الدين وإبلاغ الشريعة. لا جرم اقتدى بهم في ذلك، فقال: * (لا أسألكم عليه أجرا) * ولا أطلب منكم مالا ولا جعلا * (إن هو) * يعني القرآن * (إلا ذكرى للعالمين) * يريد كونه مشتملا على كل ما يحتاجون إليه في معاشهم ومعادهم وقوله: * (إن هو إلا ذكرى للعالمين) * يدل على أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى كل أهل الدنيا لا إلى قوم دون قوم. والله أعلم.
* (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا مآ أنزل الله على بشر من شىء قل من أنزل الكتاب الذى جآء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا ءاباؤكم قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون) *.
اعلم أنا ذكرنا في هذا الكتاب أن مدار أمر القرآن على إثبات التوحيد والنبوة والمعاد. وأنه تعالى لما حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه ذكر دليل التوحيد، وإبطال الشرك، وقرر تعالى ذلك الدليل بالوجوه الواضحة شرع بعده في تقرير أمر النبوة، فقال: * (وما قدروا الله حق قدره) * حيث أنكروا النبوة والرسالة، فهذا بيان وجه نظم هذه الآيات وأنه في غاية الحسن. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: في تفسير قوله تعالى: * (ما قدروا الله حق قدره) * وجوه: قال ابن عباس: ما عظموا الله حق تعظيمه. وروى عنه أيضا أنه قال معناه: ما آمنوا إن الله على كل شيء قدير. وقال أبو العالية: ما وصفوه حق صفته. وقال الأخفش: ما عرفوه حق معرفته، وحقق الواحدي رحمه الله ذلك، فقال يقال: قدر الشيء إذا سبره وحرره، وأراد أن يعلم مقداره يقدره بالضم قدرا ومنه قوله عليه السلام: " وإن غم عليكم فاقدروا له " أي فاطلبوا أن تعرفوه هذا أصله في اللغة، ثم قال يقال لمن عرف شيئا هو يقدر قدره، وإذا لم يعرفه بصفاته أنه لا يقدر قدره، فقوله: * (وما قدروا الله حق قدره) * صحيح في كل المعاني المذكورة.