قوله تعالى * (وهو الذى أنزل من السمآء مآء فأخرجنا به نبات كل شىء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنون دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذآ أثمر وينعه إن فى ذلكم لايات لقوم يؤمنون) *.
اعلم أن هذا النوع الخامس من الدلائل الدالة على كمال قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ورحمته ووجوه إحسانه إلى خلقه.
واعلم أن هذه الدلائل كما أنها دلائل فهي أيضا نعم بالغة، وإحسانات كاملة، والكلام إذا كان دليلا من بعض الوجوه، وكان إنعاما وإحسانا من سائر الوجوه. كان تأثيره في القلب عظيما، وعند هذا يظهر أن المشتغل بدعوة الخلق إلى طريق الحق لا ينبغي أن يعدل عن هذه الطريقة. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: ظاهر قوله تعالى: * (وهو الذي أنزل من السماء ماء) * يقتضي نزول المطر من السماء، وعند هذا اختلف الناس، فقال أبو علي الجبائي في " تفسيره ": إنه تعالى ينزل الماء من السماء إلى السحاب، ومن السحاب إلى الأرض. قال لأن ظاهر النص يقتضي نزول المطر من السماء، والعدول عن الظاهر إلى التأويل، إنما يحتاج إليه عند قيام الدليل على أن إجراء اللفظ على ظاهره غير ممكن، وفي هذا الموضع لم يقم دليل على امتناع نزول المطر من السماء، فوجب إجراء اللفظ على ظاهره.
وأما قول من يقول: إن البخارات الكثيرة تجتمع في باطن الأرض. ثم تصعد وترتفع إلى الهواء، فينعقد الغيم منها ويتقاطر، وذلك هو المطر، فقد احتج الجبائي على فساده من وجوه: الأول: أن البرد قد يوجد في وقت الحر، بل في صميم الصيف، ونجد المطر في أبرد وقت ينزل غير جامد، وذلك يبطل قولهم.