الجهل السابق، فإن كان ذلك لسابقة جهل آخر فقد لزم أن يستمر ذلك إلى ما لا نهاية له من الجهالات وذلك محال، ولما كان ذلك باطلا وجب انتهاء تلك الجهالات إلى جهل أول يخلقه الله تعالى فيه ابتداء، وهو بسبب ذلك الجهل ظن في الكفر كونه إيمانا وحقا وعلما وصدقا، فثبت أنه يستحيل من الكافر اختيار الجهل والكفر إلا إذا زين الله تعالى ذلك الجهل في قلبه، فثبت بهذين البرهانين القاطعين القطعيين أن الذي يدل عليه ظاهر هذه الآية هو الحق الذي لا محيد عنه، وإذا كان الأمر كذلك، فقد بطلت التأويلات المذكورة بأسرها، لأن المصير إلى التأويل إنما يكون عند تعذر حمل الكلام على ظاهره. أما لما قام الدليل على أنه لا يمكن العدول عن الظاهر، فقد سقطت هذه التكليفات بأسرها والله أعلم. وأيضا فقوله تعالى: * (كذلك زينا لكل أمة عملهم) * بعد قوله: * (فيسبوا الله عدوا بغير علم) * مشعر بأن إقدامهم على ذلك المنكر إنما كان بتزيين الله تعالى. فأما أن يحمل ذلك على أنه تعالى زين الأعمال الصالحة في قلوب الأمم، فهذا كلام منقطع عما قبله، وأيضا فقوله: * (كذلك زينا لكل أمة عملهم) * يتناول الأمم الكافرة والمؤمنة، فتخصيص هذا الكلام بالأمة المؤمنة ترك لظاهر العموم، وأما سائر التأويلات، فقد ذكرها صاحب " الكشاف ": وسقوطها لا يخفى، والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) * فالمقصود منه أن أمرهم مفوض إلى الله تعالى، وإن الله تعالى عالم بأحوالهم. مطلع على ضمائرهم. ورجوعهم يوم القيامة إلى الله فيجازي كل أحد بمقتضى عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
قوله تعالى * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جآءتهم ءاية ليؤمنن بها قل إنما الايات عند الله وما يشعركم أنهآ إذا جآءت لا يؤمنون) *.
اعلم أنه تعالى حكى عن الكفار شبهة توجب الطعن في نبوته، وهي قولهم إن هذا القرآن إنما جئتنا به لأنك تدارس العلماء، وتباحث الأقوام الذين عرفوا التوارة والإنجيل. ثم تجمع هذه السور وهذه الآيات بهذا الطريق. ثم إنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة بما سبق، وهذه الآية مشتملة على شبهة أخرى وهي قولهم له إن هذا القرآن كيفما كان أمره، فليس من جنس المعجزات البتة، ولو