متعاليا عن الحيز والجهة، ومعنى فطر أخرجهما إلى الوجود، وأصله من الشق، يقال: تفطر الشجر بالورق والورد إذا أظهرهما، وأما الحنيف فهو المائل قال أبو العالية: الحنيف الذي يستقبل البيت في صلاته، وقيل إنه العادل عن كل معبود دون الله تعالى.
قوله تعالى * (وحآجه قومه قال أتحاجونى فى الله وقد هدانى ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشآء ربى شيئا وسع ربى كل شىء علما أفلا تتذكرون) *.
اعلم أن إبراهيم عليه السلام لما أورد عليهم الحجة المذكورة، فالقوم أوردوا عليه حججا على صحة أقوالهم، منها أنهم تمسكوا بالتقليد كقولهم: * (إنا وجدنا آبائنا على أمة) * (الزخرف: 23) وكقولهم للرسول عليه السلام: * (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) * (ص: 5) ومنها: أنهم خوفوه بأنك لما طعنت في إلهية هذه الأصنام وقعت من جهة هذه الأصنام في الآفات والبليات، ونظيره ما حكاه الله تعالى في قصة قوم هود: * (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) * (هود: 54) فذكروا هذا الجنس من الكلام مع إبراهيم عليه السلام.
فأجاب الله عن حجتهم بقوله: * (قال أتحاجوني في الله وقد هداني) *، يعني لما ثبت بالدليل الموجب للهداية واليقين صحة قولي، فكيف يلتفت إلى حجتكم العليلة، وكلماتكم الباطلة. وأجاب عن حجتهم الثانية وهي: أنهم خوفوه بالأصنام بقوله: * (ولا أخاف ما تشركون به) * لأن الخوف إنما يحصل ممن يقدر على النفع والضر، والأصنام جمادات لا تقدر ولا قدرة لها على النفع والضر، فكيف يحصل الخوف منها؟
فإن قيل: لا شك أن للطلسمات آثارا مخصوصة، فلم لا يجوز أن يحصل الخوف منها من هذه الجهة؟
قلنا: الطلسم يرجع حاصله إلى تأثيرات الكواكب، وقد دللنا على أن قوى الكواكب على التأثيرات إنما يحصل من خلق الله تعالى فيكون الرجاء والخوف في الحقيقة ليس إلا من الله تعالى.
وأما قوله: * (إلا أن يشاء ربي) * ففيه وجوه: أحدها: إلا أن أذنب فيشاء إنزال العقوبة بي.