ولو أن الأولين والآخرين اجتمعوا على أن يذكروا في هذه المسألة كلاما يساويه في القوة والكمال لعجزوا عنه، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
قوله تعالى * (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شىء فاعبدوه وهو على كل شىء وكيل) *.
اعلم أنه تعالى لما أقام الحجة على وجود الإله القادر المختار الحكيم الرحيم وبين فساد قول من ذهب إلى الإشراك بالله، وفصل مذاهبهم على أحسن الوجوه وبين فساد كل واحد منها بالدلائل اللائقة به. ثم حكى مذهب من أثبت لله البنين والبنات، وبين بالدلائل القاطعة فساد القول بها فعند هذا ثبت أن إله العالم فرد واحد صمد منزه عن الشريك والنظير والضد والند، ومنزه عن الأولاد والبنين والبنات، فعند هذا صرح بالنتيجة فقال: ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل ما سواه فاعبدوه ولا تعبدوا غيره أحدا فإنه هو المصلح لمهمات جميع العباد، وهو الذي يسمع دعاءهم ويرى ذلهم وخضوعهم، ويعلم حاجتهم، وهو الوكيل لكل أحد على حصول مهماته، ومن تأمل في هذا النظم والترتيب في تقرير الدعوة إلى التوحيد والتنزيه، وإظهار فساد الشرك، علم أنه لا طريق أوضح ولا أصلح منه. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": " ذلكم " إشارة إلى الموصوف بما تقدم من الصفات وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة، وهي: * (الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء) * أي ذلك الجامع لهذه الصفات فاعبدوه، على معنى أن من حصلت له هذه الصفات كان هو الحقيق بالعبادة فاعبدوه، ولا تعبدوا أحدا سواء.
المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى بين في هذه السورة بالدلائل الكثيرة افتقار الخلق إلى خالق وموجد، ومحدث، ومبدع، ومدبر، ولم يذكر دليلا منفصلا يدل على نفي الشركاء، والأضداد والأنداد، ثم إنه اتبع الدلائل الدالة على وجود الصانع بأن نقل قول من أثبت لله شريكا، فهذا القدر يكون أوجب الجزم بالتشريك من الجن، ثم أبطله، ثم إنه تعالى بعد ذلك أتى بالتوحيد المحض حيث قال: * (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه) * وعند هذا يتوجه السؤال وهو أن حاصل ما تقدم إقامة الدليل على وجود الخالق، وتزييف دليل من أثبت لله شريكا، فهذا