والمراد الدين الذي يجب عليهم أن يتدينوا به ويعتقدوا صحته. فقوله: * (وذكر به) * أي بذلك الدين لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكور. والدين أقرب المذكور، فوجب عود الضمير إليه. أما قوله * (أن تبسل نفس بما كسبت) * فقال صاحب " الكشاف ": أصل الإبسال المنع ومنه، هذا عليك بسل أي حرام محظور، والباسل الشجاع لامتناعه من خصمه، أو لأنه شديد البسور، يقال بسر الرجل إذا اشتد عبوسه، وإذا زاد قالوا بسل، والعابس منقبض الوجه.
إذا عرفت هذا فنقول: قال ابن عباس: * (تبسل نفس بما كسبت) * أي ترتهن في جهنم بما كسبت في الدنيا. وقال الحسن ومجاهد: تسلم للمهلكة أي تمنع عن مرادها وتخذل. وقال قتادة: تحبس في جهنم، وعن ابن عباس * (تبسل) * تفضح و * (أبسلوا) * فضحوا، ومعنى الآية وذكرهم بالقرآن، ومقتضى الدين مخافة احتباسهم في نار جهنم بسبب جناياتهم لعلهم يخافون فيتقون. ثم قال تعالى: * (ليس لها) * أي ليس للنفس * (من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) * أي وإن تفد كل فداء، والعدل الفدية لا يؤخذ ذلك العدل وتلك الفدية منها. قال صاحب " الكشاف ": فاعل يؤخذ ليس هو قوله: * (عدل) * لأن العدل ههنا مصدر، فلا يسند إليه الأخذ. وأما في قوله: * (ولا يؤخذ منها عدل) * فبمعنى المفدى به، فصح إسناده إليه. فنقول: الأخذ بمعنى القبول وارد. قال تعالى: * (ويأخذ الصدقات) * أي يقبلها. وإذا ثبت هذا فيحمل الأخذ ههنا على القبول، ويزول السؤال. والله أعلم.
والمقصود من هذه الآية: بيان أن وجوه الخلاص على تلك النفس منسدة، فلا ولي يتولى دفع ذلك المحذور، ولا شفيع يشفع فيها، ولا فدية تقبل ليحصل الخلاص بسبب قبولها حتى لو جعلت الدنيا بأسرها فدية من عذاب الله لم تنفع. فإذا كانت وجوه الخلاص هي هذه الثلاثة في الدنيا، وثبت أنها لا تفيد في الآخرة البتة، وظهر أنه ليس هناك إلا الإبسال الذي هو الارتهان والانغلاق والاستسلام، فليس لها البتة دافع من عذاب الله تعالى، وإذا تصور المرء كيفية العقاب على هذا الوجه يكاد يرعد إذا أقدم على معاصي الله تعالى. ثم إنه تعالى بين ما به صاروا مرتهنين وعليه محبوسين، فقال * (لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) * وذلك هو النهاية في صفة الإيلام. والله أعلم.
قوله تعالى * (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله