ثم قال: * (لا مبدل لكلماته) * والمعنى أن هؤلاء الكفار يلقون الشبهات في كونها دالة على صدق محمد عليه الصلاة والسلام إلا أن تلك الشبهات لا تأثير لها في هذه الدلائل التي لا تقبل التبديل البتة لأن تلك الدلالة ظاهرة باقية جلية قوية لا تزول بسبب ترهات الكفار وشبهات أولئك الجهال.
والوجه الثاني: أن يكون المراد أنها تبقى مصونة عن التحريف والتغيير كما قال تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * (الحجر: 9).
والوجه الثالث: أن يكون المراد أنها مصونة عن التناقض كما قال: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * (النساء: 82).
والوجه الرابع: أن يكون المراد أن أحكام الله تعالى لا تقبل التبديل والزوال لأنها أزلية والأزلي لا يزول.
واعلم أن هذا الوجه أحد الأصول القوية في إثبات الجبر، لأنه تعالى لما حكم على زيد بالسعادة وعلى عمرو بالشقاوة، ثم قال: * (لا مبدل لكلمات الله) * يلزم امتناع أن ينقلب السعيد شقيا وأن ينقلب الشقي سعيدا، فالسعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه.
* (وإن تطع أكثر من فى الارض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون * إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) *.
اعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهات الكفار ثم بين بالدليل صحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام بين أن بعد زوال الشبهة وظهور الحجة لا ينبغي أن يلتفت العاقل إلى كلمات الجهال، ولا ينبغي أن يتشوش بسبب كلماتهم الفاسدة فقال: * (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) * وهذا يدل على أن أكثر أهل الأرض كانوا ضلالا، لأن الإضلال لا بد وأن يكون مسبوقا بالضلال.
واعلم أن حصول هذا الضلال والإضلال لا يخرج عن أحد أمور ثلاثة: أولها: المباحث المتعلقة بالإلهيات فإن الحق فيها واحد، وأما الباطل ففيه كثرة، ومنها القول بالشرك أما كما تقوله الزنادقة