وبتقدير: أن يسوى لكان بعضهم إذا قصر ولم ينتفع صح أن يقال بحسب الظاهر أن لم يحصل له نعم الله كالوالد الذي يسوي بين الولدين في العطية، فإنه يصح أن يقال: إنه أعطى أحدهما دون الآخر إذا كان ذلك الآخر ضيعه وأفسده.
واعلم أن الجواب الأول ضعيف، لأن الألطاف الداعية إلى الإيمان مشتركة فيما بين الكافر والمؤمن؛ والتخصيص عند المعتزلة غير جائز، والثاني: أيضا فاسد. لأن الوالد لما سوى بين الولدين في العطية، ثم إن أحدهما ضيع نصيبه، فأي عاقل يجوز أن يقال أن الأب ما أنعم عليه، وما أعطاه شيئا.
المسألة الثالثة: دلت هذه الآية على أنه تعالى سينصر نبيه ويقوي دينه، ويجعله مستعليا على كل من عاداه، قاهرا لكل من نازعه، وقد وقع هذا الذي أخبر الله تعالى عنه في هذا الموضع، فكان هذا جاريا مجرى الأخبار عن الغيب، فيكون معجزا. والله أعلم.
قوله تعالى * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: لا شبهة في أن قوله: * (أولئك الذين هدى الله) * هم الذين تقدم ذكرهم من الأنبياء، ولا شك في أن قوله: * (فبهداهم اقتده) * أمر لمحمد عليه الصلاة والسلام، وإنما الكلام في تعيين الشيء الذي أمر الله محمدا أن يقتدي فيه بهم، فمن الناس من قال: المراد أنه يقتدي بهم في الأمر الذي أجمعوا عليه، وهو القول بالتوحيد والتنزيه عن كل ما لا يليق به في الذات والصفات والأفعال وسائر العقليات، وقال آخرون: المراد الاقتداء بهم في جميع الأخلاق الحميدة والصفات الرفيعة الكاملة من الصبر على أذى السفهاء والعفو عنهم، وقال آخرون: المراد الاقتداء بهم في شرائعهم إلا ما خصه الدليل، وبهذا التقدير كانت هذه الآية دليلا على أن شرع من قبلنا يلزمنا، وقال آخرون: إنه تعالى إنما ذكر الأنبياء في الآية المتقدمة ليبين أنهم كانوا محترزين عن الشرك مجاهدين بإبطاله بدليل أنه ختم الآية بقوله: * (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) * (الأنعام: 88) ثم أكد