فالتخصيص تحكم محض. قال المحققون: إذا ثبت أن من افترى على الله الكذب في تحريم مباح استحق هذا الوعيد الشديد، فمن افترى على الله الكذب في مسائل التوحيد ومعرفة الذات والصفات والنبوات والملائكة ومباحث المعاد كان وعيده أشد وأشق. قال القاضي: ودل ذلك على أن الإضلال عن الدين مذموم، لا يليق بالله، لأنه تعالى إذا ذم الإضلال الذي ليس فيه إلا تحريم المباح، فالذي هو أعظم منه أولى بالذم.
وجوابه: أنه ليس كل ما كان مذموما منا كان مذموما من الله تعالى. ألا ترى أن الجمع بين العبيد والإماء وتسليط الشهوة عليهم وتمكينهم من أسباب الفجور مذموم منا وغير مذموم من الله تعالى فكذا ههنا.
ثم قال: * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * قال القاضي: لا يهديهم إلا ثوابه وإلى زيادات الهدى التي يختص المهتدي بها. وقال أصحابنا: المراد منه الإخبار بأنه تعالى لا يهدي أولئك المشركين، أي لا ينقلهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، والكلام في ترجيح أحد القولين على الآخر معلوم.
قوله تعالى * (قل لا أجد فى مآ أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم * وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهمآ إلا ما حملت ظهورهمآ أو الحوايآ أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون * فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين) *.