وأجاب أصحابنا عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن قوله: * (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) * المراد من الظلم الشرك، لقوله تعالى حكاية عن لقمان إذ قال لابنه: * (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 13) فالمراد ههنا الذين آمنوا بالله ولم يثبتوا لله شريكا في المعبودية.
والدليل على أن هذا هو المراد أن هذه القصة من أولها إلى آخرها إنما وردت في نفي الشركاء والأضداد والأنداد، وليس فيها ذكر الطاعات والعبادات، فوجب حمل الظلم ههنا على ذلك.
الوجه الثاني: في الجواب: أن وعيد الفاسق من أهل الصلاة يحتمل أن يعذبه الله، ويحتمل أن يعفو عنه، وعلى كلا التقديرين: فالأمن زائل والخوف حاصل، فلم يلزم من عدم الأمن القطع بحصول العذاب؟ والله أعلم.
قوله تعالى * (وتلك حجتنآ ءاتيناهآ إبرهيم على قومه نرفع درجات من نشآء إن ربك حكيم عليم) *.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (وتلك) * إشارة إلى كلام تقدم وفيه وجوه: الأول: أنه إشارة إلى قوله: * (لا أحب الآفلين) * والثاني: أنه إشارة إلى أن القوم قالوا له: أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لأجل أنك شتمتهم. فقال لهم: أفلا تخافون أنتم حيث أقدمتم على الشرك بالله وسويتم في العبادة بين خالق العالم ومدبره وبين الخشب المنحوت والصنم المعمول؟ والثالث: أن المراد هو الكل.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: * (وتلك) * مبتدأ وقوله: * (حجتنا) * خبره وقوله: * (آتيناها إبراهيم) * صفة لذلك الخبر.
المسألة الثانية: قوله: * (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم) * يدل على أن تلك الحجة إنما حصلت في عقل إبراهيم عليه السلام بإيتاء الله وبإظهاره تلك الحجة في عقله، وذلك يدل على أن الإيمان والكفر لا يحصلان إلا بخلق الله تعالى. ويتأكد هذا أيضا بقوله: * (نرفع درجات من نشاء) * فإن المراد أنه تعالى رفع درجات إبراهيم بسبب أنه تعالى آتاه تلك الحجة، ولو كان حصول العلم بتلك الحجة إنما كان من قبل إبراهيم لا من قبل الله تعالى لكان إبراهيم عليه السلام هو الذي رفع درجات نفسه