قوله تعالى * (قل هلم شهدآءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهوآء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالاخرة وهم بربهم يعدلون) *.
اعلم أنه تعالى لما أبطل على الكفار جميع أنواع حجهم بين أنه ليس لهم على قولهم شهود البتة، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: * (هلم) * كلمة دعوة إلى الشيء، والمعنى: هاتوا شهداءكم، وفيه قولان: الأول: أنه يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع، والذكر والأنثى. قال تعالى: * (قل هلم شهداءكم الذين يشهدون) * وقال: * (والقائلين لأخوانهم هلم إلينا) * واللغة الثانية يقال للاثنين: هلما، وللجمع: هلموا، وللمرأة: هلمي، وللاثنين: هلما، وللجمع: هلمن. والأول أفصح.
المسألة الثانية: في أصل هذه الكلمة قولان: قال الخليل وسيبويه أنها " ها " ضمت إليها " لم " أي جمع، وتكون بمعنى؛ أدن. يقال: لفلان لمة، أي دنو، ثم جعلتا كالكلمة الواحدة، والفائدة في قولنا: " ها " استعطاف المأمور واستدعاء إقباله على الأمر، إلا أنه لما كثر استعماله حذف عنه الألف على سبيل التخفيف. كقولك: لم أبل، ولم أر، ولم تك، وقال الفراء: أصلها " هل " أم أرادوا " بهل " حرف الاستفهام. وبقولنا: " أم " أي أقصد؟ والتقدير: هل قصد؟ والمقصود من هذا الاستفهام الأمر بالقصد، كأنك تقول: أقصد، وفيه وجه آخر، وهو أن يقال: كان الأصل أن قالوا: هل لك في الطعام، أم أي قصد؟ ثم شاع في الكل كما أن كلمة " تعالى " كانت مخصوصة بصورة معينة، ثم عمت.
المسألة الثالثة: أنه تعالى نبه باستدعاء إقامة الشهداء من الكافرين ليظهر أن لا شاهد لهم على تحريم ما حرموه، ومعنى * (هلم) * أحضروا شهداءكم.
ثم قال: * (فإن شهدوا فلا تشهد معهم) * تنبيها على كونهم كاذبين، ثم بين تعالى أنه إن وقعت منهم تلك الشهادة فعن اتباع الهوى، فأمر نبيه أن لا يتبع أهواءهم، ثم زاد في تقبيح ذلك بأنهم لا يؤمنون بالآخرة، وكانوا ممن ينكرون البعث والنشور، وزاد في تقبيحهم بأنهم يعدلون بربهم