الدهر ما عنده، إذا أفسده، والإملاق الفساد.
والنوع الرابع: قوله: * (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * قال ابن عباس: كانوا يكرهون الزنا علانية، ويفعلون ذلك سرا، فنهاهم الله عن الزنا علانية وسرا، والأولى أن لا يخصص هذا النهي بنوع معين، بل يجري على عمومه في جميع الفواحش ظاهرها وباطنها لأن اللفظ عام. والمعنى الموجب لهذا النهي وهو كونه فاحشة عام أيضا ومع عموم اللفظ والمعنى يكون التخصيص على خلاف الدليل، وفي قوله: * (ما ظهر منها وما بطن) * دقيقة، وهي: أن الإنسان إذا احترز عن المعصية في الظاهر ولم يحترز عنها في الباطن دل ذلك على أن احترازه عنها ليس لأجل عبودية الله وطاعته، ولكن لأجل الخوف من مذمة الناس، وذلك باطل، لأن من كان مذمة الناس عنده أعظم وقعا من عقاب الله ونحوه فإنه يخشى عليه من الكفر، ومن ترك المعصية ظاهرا وباطنا، دل ذلك على أنه إنما تركها تعظيما لأمر الله تعالى وخوفا من عذابه ورغبة في عبوديته.
والنوع الخامس: قوله: * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) *.
واعلم أن هذا داخل في جملة الفواحش إلا أنه تعالى أفرده بالذكر لفائدتين: إحداهما: أن الإفراد بالذكر يدل على التعظيم والتفخيم، كقوله: * (وملائكته وجبريل وميكال) * والثانية: أنه تعالى أراد أن يستثني منه، ولا يتأتى هذا الاستثناء في جملة الفواحش.
إذا عرفت هدا فنقول: قوله: * (إلا بالحق) * أي قتل النفس المحرمة قد يكون حقا لجرم يصدر منها. والحديث أيضا موافق له وهو قوله عليه السلام: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير حق " والقرآن دل على سبب رابع، وهو قوله تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا) * (المائدة: 33).
والحاصل: أن الأصل في قتل النفس هو الحرمة وحله لا يثبت إلا بدليل منفصل. ثم إنه تعالى لما بين أحوال هذه الأقسام الخمسة أتبعه باللفظ الذي يقرب إلى القلب القبول، فقال: * (ذلكم وصاكم به) * لما في هذه اللفظة من اللطف والرأفة، وكل ذلك ليكون المكلف أقرب إلى القبول، ثم أتبعه بقوله: * (لعلكم تعقلون) * أي لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف، ومنافعها في الدين والدنيا.
قوله تعالى * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان