الحكم الثاني أن هذا الكلام إنما يستقيم لو كان لإظهار هذه المعجزات أثر في حملهم على الإيمان، وعلى قول المجبرة ذلك باطل، لأن عندهم الإيمان إنما يحصل بخلق الله تعالى، فإذا خلقه حصل، وإذا لم يخلقه لم يحصل، فلم يكن لفعل الإلطاف أثر في حمل المكلف على الطاعات.
وأقول هذا الذي قاله القاضي غير لازم. أما الأول: فلأن القوم قالوا: لو جئتنا يا محمد بآية لآمنا بك، فهذا الكلام في الحقيقة مشتمل على مقدمتين: إحداهما: أنك لو جئتنا بهذه المعجزات لآمنا بك. والثانية: أنه متى كان الأمر كذلك وجب عليك أن تأتينا بها، والله تعالى كذبهم في المقام الأول، وبين أنه تعالى وإن أظهرها لهم فهم لا يؤمنون، ولم يتعرض البتة للمقام الثاني، ولكنه في الحقيقة باق.
فإن لقائل أن يقول: هب أنهم لا يؤمنون عند إظهار تلك المعجزات، فلم لم يجب على الله تعالى إظهارها؟ اللهم إلا إذا ثبت قبل هذا البحث أن اللطف واجب على الله تعالى، فحينئذ يحصل هذا المطلوب من هذه الآية، إلا أن القاضي جعل هذه الآية دليلا على وجوب اللطف، فثبت أن كلامه ضعيف.
وأما البحث الثاني: وهو قوله: إذا كان الكل بخلق الله تعالى لم يكن لهذه الألطاف أثر فيه، فنقول: الذي نقول به أن المؤثر في الفعل هو مجموع القدرة مع الداعي والعلم بحصول هذا اللطف أحد أجزاء الداعي وعلى هذا التقدير. فيكون لهذا اللطف أثر في حصول الفعل.
قوله تعالى * (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم فى طغيانهم يعمهون) *.
هذا أيضا من الآيات الدالة على قولنا: إن الكفر والإيمان بقضاء الله وقدره، والتقلب والقلب واحد، وهو تحويل الشيء عن وجهه، ومعنى تقليب الأفئدة والأبصار: هو أنه إذا جاءتهم الآيات القاهرة التي اقترحوها وعرفوا كيفية دلالتها على صدق الرسول، إلا أنه تعالى إذا قلب قلوبهم وأبصارهم عن ذلك الوجه الصحيح بقوا على الكفر ولم ينتفعوا بتلك الآيات، والمقصود من هذه الآية تقرير ما ذكرناه في الآية الأولى من أن تلك الآيات القاهرة لو جاءتهم لما آمنوا بها ولما انتفعوا بظهورها البتة.