الحجة الثانية: أن الولد يحتاج إليه أن يقوم مقامه بعد فنائه، وهذا إنما يعقل في حق من يفنى، أما من تقدس عن ذلك لم يعقل الولد في حقه.
الحجة الثالثة: أن الولد مشعر بكونه متولدا عن جزء من أجزاء الوالد، وذلك إنما يعقل في حق من يكون مركبا ويمكن انفصال بعض أجزائه عنه، وذلك في حق الواحد الفرد الواجب لذاته محال، فحاصل الكلام أن من علم أن الإله ما حقيقته استحال أن يقول له ولد فكان قوله: * (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم) * إشارة إلى هذه الدقيقة.
البحث الثاني: قرأ نافع * (وخرقوا) * مشددة الراء. والباقون * (خرقوا) * خفيفة الراء. قال الواحدي: الاختيار التخفيف، لأنها أكثر والتشديد للمبالغة والتكثير.
البحث الثالث: قال الفراء: معنى * (خرقوا) * افتعلوا وافتروا. قال: وخرقوا واخترقوا وخلقوا واختلقوا، وافتروا واحد. وقال الليث: يقال: تخرق الكذب وتخلقه، وحكى صاحب " الكشاف ": أنه سئل الحسن عن هذه الكلمة فقال: كلمة عربية كانت تقولها. كان الرجل إذا كذب كذبة في نادي القوم يقول له بعضهم قد خرقها، والله أعلم. ثم قال: ويجوز أن يكون من خرق الثوب إذا شقه. أي شقوا له بنين وبنات.
ثم إنه تعالى ختم الآية فقال: * (سبحانه وتعالى عما يصفون) * فقوله سبحانه تنزيه لله عن كل ما لا يليق به. وأما قوله: * (وتعالى) * فلا شك أنه لا يفيد العلو في المكان، لأن المقصود ههنا تنزيه الله تعالى عن هذه الأقوال الفاسدة، والعلو في المكان لا يفيد هذا المعنى. فثبت أن المراد ههنا التعالي عن كل اعتقاد باطل. وقول فاسد.
فإن قالوا: فعلى هذا التقدير لا يبقى بين قوله: " سبحانه " وبين قوله: " وتعالى " فرق.
قلنا: بل يبقى بينهما فرق ظاهر، فإن المراد بقوله سبحانه أن هذا القائل يسبحه وينزهه عما لا يليق به والمراد بقوله: * (وتعالى) * كونه في ذاته متعاليا متقدسا عن هذه الصفات سواء سبحه مسبح أو لم يسبحه، فالتسبيح يرجع إلى أقوال المسبحين، والتعالي يرجع إلى صفته الذاتية التي حصلت له لذاته لا لغيره.
قوله تعالى * (بديع السماوات والارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شىء