فإن قالوا: لو كان الأمر كذلك لكان قوله: * (وكذلك نجزي المحسنين) * يقتضي أن تكون الرسالة جزاء على عمل، وذلك عندكم باطل.
قلنا: يحمل قوله: * (وكذلك نجزي المحسنين) * على الجزاء الذي هو الثواب والكرامة، فيزول الإشكال. والله أعلم.
المسألة الثالثة: احتج القائلون بأن الأنبياء عليهم السلام أفضل من الملائكة بقوله تعالى بعد ذكر هؤلاء عليهم السلام: * (وكلا فضلنا على العالمين) * وذلك لأن العالم اسم لكل موجود سوى الله تعالى، فيدخل في لفظ العالم الملائكة، فقوله تعالى: * (وكلا فضلنا على العالمين) * يقتضي كونهم أفضل من كل العالمين. وذلك يقتضي كونهم أفضل من الملائكة، ومن الأحكام المستنبطة من هذه الآية: أن الأنبياء عليهم السلام يجب أن يكونوا أفضل من كل الأولياء، لأن عموم قوله تعالى: * (وكلا فضلنا على العالمين) * يوجب ذلك. قال بعضهم: * (وكلا فضلنا على العالمين) * معناه فضلناه على عالمي زمانهم. قال القاضي: ويمكن أن يقال المراد: وكلا من الأنبياء يفضلون على كل من سواهم من العالمين. ثم الكلام بعد ذلك في أن أي الأنبياء أفضل من بعض، كلام واقع في نوع آخر لا تعلق به بالأول والله أعلم.
المسألة الرابعة: قرأ حمزة والكسائي * (والليسع) * بتشديد اللام وسكون الياء، والباقون * (واليسع) * بلام واحدة. قال الزجاج: يقال فيه الليسع واليسع بتشديد اللام وتخفيفها.
المسألة الخامسة: الآية تدل على أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى جعل عيسى من ذرية إبراهيم مع أنه لا ينتسب إلى إبراهيم إلا بالأم، فكذلك الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن انتسبا إلى رسول الله بالأم وجب كونهما من ذريته، ويقال: إن أبا جعفر الباقر استدل بهذه الآية عند الحجاج بن يوسف.
المسألة السادسة: قوله تعالى: * (ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم) * يفيد أحكاما كثيرة: الأول: أنه تعالى ذكر الآباء والذريات والأخوان، فالآباء هم الأصول، والذريات هم الفروع، والأخوان فروع الأصول، وذلك يدل على أنه تعالى خص كل من تعلق بهؤلاء الأنبياء بنوع من الشرف والكرامة، والثاني: أنه تعالى قال: * (ومن آبائهم) * وكلمة " من " للتبعيض.
فإن قلنا: المراد من تلك الهداية الهداية إلى الثواب والجنة والهداية إلى الإيمان والمعرفة، فهذه الكلمة تدل على أنه قد كان في آباء هؤلاء الأنبياء من كان غير مؤمن ولا واصل إلى الجنة. أما لو قلنا: المراد بهذه الهداية النبوة لم يفد ذلك. الثالث: أنا إذا فسرنا هذه الهداية بالنبوة كان