محمد عليه الصلاة والسلام طلبا للعز والكرامة، فالله تعالى بين أنه يقابلهم بضد مطلوبهم، فأول ما يوصل إليهم إنما يوصل الصغار والذل والهوان، وفي قوله: * (صغار عند الله) * وجوه: الأول: أن يكون المراد أن هذا الصغار إنما يحصل في الآخرة، حيث لا حاكم ينفذ حكمه سواه. والثاني: أنهم يصيبهم صغار بحكم الله وإيجابه في در الدنيا، فلما كان ذلك الصغار هذا حاله، جاز أن يضاف إلى عند الله. الثالث: أن يكون المراد * (سيصيب الذين أجرموا صغار) * ثم استأنف. وقال : * (عند الله) * أي معد لهم ذلك، والمقصود منه التأكيد، الرابع: أن يكون المراد صغار من عند الله، وعلى هذا التقدير: فلا بد من إضمار كلمة " من " وأما بيان الضرر والعذاب، فهو قوله: * (وعذاب شديد) * فحصل بهذا الكلام أنه تعالى أعد لهم الخزي العظيم والعذاب الشديد، ثم بين أن ذلك إنما يصيبهم لأجل مكرهم وكذبهم وحسدهم.
قوله تعالى * (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السمآء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: تمسك أصحابنا بهذه الآية في بيان أن الضلال والهداية من الله تعالى.
واعلم أن هذه الآية كما أن لفظها يدل على قولنا، فلفظها أيضا يدل على الدليل القاطع العقلي الذي في هذه المسألة، وبيانه أن العبد قادر على الإيمان وقادر على الفكر، فقدرته بالنسبة إلى هذين الأمرين حاصلة على السوية، فيمتنع صدور الإيمان عنه بدلا من الكفر أو الكفر بدلا من الإيمان، إلا إذا حصل في القلب داعية إليه، وقد بينا ذلك مرارا كثيرة في هذا الكتاب، وتلك الداعية لا معنى لها إلا علمه أو اعتقاده أو ظنه بكون ذلك الفعل مشتملا على مصلحة زائدة ومنفعة راجحة، فإنه إذا حصل هذا المعنى في القلب دعاه ذلك إلى فعل ذلك الشيء، وإن حصل في القلب علم أو اعتقاد أن ظن بكون ذلك الفعل مشتملا على ضرر زائد ومفسدة راجحة دعاه ذلك إلى