الآلهة ولم يزك نصيب الله تركوا نصيب الآلهة لها، وقالوا لو شاء زكى نصيب نفسه وإن زكا نصيب الله ولم يزك نصيب الآلهة، قالوا لا بد لآلهتنا من نفقة، فأخذوا نصيب الله فأعطوه السدنة، فذلك قوله: * (فما كان لشركائهم) * يعني من نماء الحرث والأنعام * (فلا يصل إلى الله) * يعني المساكين وإنما قال: * (إلى الله) * لأنهم كانوا يفرزونه لله ويسمونه نصيب الله، وما كان لله فهو يصل إليهم، ثم إنه تعالى ذم هذا الفعل * (فقال ساء ما يحكمون) * وذكر العلماء في كيفية هذه الإساءة وجوها كثيرة: الأول: أنهم رجحوا جانب الأصنام في الرعاية والحفظ على جانب الله تعالى، وهو سفه. الثاني: أنهم جعلوا بعض النصيب لله وجعلوا بعضه لغيره مع أنه تعالى الخالق للجميع، وهذا أيضا سفه. الثالث: أن ذلك الحكم حكم أحدثوه من قبل أنفسهم، ولم يشهد بصحته عقل ولا شرع، فكان أيضا سفها. الرابع: أنه لو حسن إفراز نصيب الأصنام لحسن إفراز النصيب لكل حجر ومدر، الخامس: أنه لا تأثير للأصنام في حصول الحرث والأنعام، ولا قدرة لها أيضا على الانتفاع بذلك النصيب فكان إفراز النصيب لها عبثا، فثبت بهذا الوجوه أنه * (ساء ما يحكمون) * والمقصود من حكاية أمثال هذه المذاهب الفاسدة، أن يعرف الناس قلة عقول القائلين بهذه المذاهب، وأن يصير ذلك سببا لتحقيرهم في أعين العقلاء، وأن لا يلتفت إلى كلامهم أحد البتة.
قوله تعالى * (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركآؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شآء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن هذا هو النوع الثاني من أحكامهم الفاسدة، ومذاهبهم الباطلة، وقوله: * (وكذلك) * عطف على قوله: * (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام) * أي كما فعلوا ذلك، فكذلك زين لكثير منهم شركاؤهم قتل الأولاد، والمعنى: أن جعلهم لله نصيبا، وللشركاء نصيبا، نهاية في الجهل بمعرفة الخالق المنعم، وإقدامهم على قتل أولاد أنفسهم نهاية في الجهالة والضلالة، وذلك يفيد التنبيه على أن أحكام هؤلاء وأحوالهم يشاكل بعضها بعضا في الركاكة والخساسة.
المسألة الثانية: كان أهل الجاهلية يدفنون بناتهم أحياء خوفا من الفقر أو من التزويج،