وشق له الأرض إلى حيث ينتهي إلى السطح الآخر من العالم الجسماني، ورأى ما في السماوات من العجائب والبدائع، ورأى ما في باطن الأرض من العجائب والبدائع. وعن ابن عباس أنه قال: لما أسرى بإبراهيم إلى السماء ورأى ما في السماوات وما في الأرض فأبصر عبدا على فاحشة فدعا عليه وعلى آخر بالهلاك، فقال الله تعالى له: كف عن عبادي فهم بين حالين إما أن أجعل منهم ذرية طيبة أو يتوبون فأغفر لهم أو النار من ورائهم، وطعن القاضي في هذه الرواية من وجوه: الأول: أن أهل السماء هم الملائكة المقربون وهم لا يعصون الله، فلا يليق أن يقال: إنه لما رفع إلى السماء أبصر عبدا على فاحشة. الثاني: أن الأنبياء لا يدعون بهلاك المذنب إلا عن أمر الله تعالى، وإذا أذن الله تعالى فيه لم يجز أن يمنعه من إجابة دعائه. الثالث: أن ذلك الدعاء إما أن يكون صوابا أو خطأ فإن كان صوابا فلم رده في المرة الثانية، وإن كان خطأ فلم قبله في المرة الأولى. ثم قال: وأخبار الآحاد إذا وردت على خلاف دلائل العقول وجب التوقف فيها.
والقول الثاني: أن هذه الإراءة كانت بعين البصيرة والعقل، لا بالبصر الظاهر والحس الظاهر. واحتج القائلون بهذا القول بوجوه:
الحجة الأولى: أن ملكوت السماوات عبارة عن ملك السماء، والملك عبارة عن القدرة، وقدرة الله لا ترى، وإنما تعرف بالعقل، وهذا كلام قاطع، إلا أن يقال المراد بملكوت السماوات والأرض نفس السماوات والأرض، إلا أن على هذا التقدير يضيع لفظ الملكوت ولا يحصل منه فائدة.
والحجة الثانية: أنه تعالى ذكر هذه الإراءة في أول الآية على سبيل الإجمال وهو قوله: * (وكذلك نرى إبراهيم) * ثم فسرها بعد ذلك بقوله: * (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) * (الأنعام: 76) فجرى ذكر هذا الاستدلال كالشرح والتفسير لتلك الإراءة فوجب أن يقال إن تلك الإراءة كانت عبارة عن هذا الاستدلال.
والحجة الثالثة: أنه تعالى قال في آخر الآية: * (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) * والرؤية بالعين لا تصير حجة على قومه لأنهم كانوا غائبين عنها وكانوا يكذبون إبراهيم فيها وما كان يجوز لهم تصديق إبراهيم في تلك الدعوى إلا بدليل منفصل ومعجزة باهرة، وإنما كانت الحجة التي أوردها إبراهيم على قومه في الاستدلال بالنجوم من الطريق الذي نطق به القرآن. فإن تلك الأدلة كانت ظاهرة لهم كما أنها كانت ظاهرة لإبراهيم.
والحجة الرابعة: أن إراءة جميع العالم تفيد العلم الضروري بأن للعالم إلها قادرا على كل