قوله تعالى * (سيقول الذين أشركوا لو شآء الله مآ أشركنا ولا ابآؤنا ولا حرمنا من شىء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنآ إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شآء لهداكم أجمعين) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عن أهل الجاهلية إقدامهم على الحكم في دين الله بغير حجة ولا دليل، حكى عنهم عذرهم في كل ما يقدمون عليه من الكفريات، فيقولون: لو شاء الله منا أن لا نكفر لمنعنا عن هذا الكفر، وحيث لم يمنعنا عنه، ثبت أنه مريد لذلك فإذا أراد الله ذلك منا امتنع منا تركه فكنا معذورين فيه، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن المعتزلة زعموا أن هذه الآية تدل على قولهم في مسألة إرادة الكائنات من سبعة أوجه:
فالوجه الأول: أنه تعالى حكى عن الكفار صريح قول المجبرة وهو قولهم: لو شاء الله منا أن لا نشرك لم نشرك، وإنما حكى عنهم هذا القول في معرض الذم والتقبيح، فوجب كون هذا المذهب مذموما باطلا.
والوجه الثاني: أنه تعالى قال: * (كذب) * وفيه قراءتان بالتخفيف وبالتثقيل. أما القراءة بالتخفيف فهي تصريح بأنهم قد كذبوا في ذلك القول، وذلك يدل على أن الذي تقوله المجبرة في هذه المسألة كذب. وأما القراءة بالتشديد، فلا يمكن حملها على أن القول استوجبوا الذم بسبب أنهم كذبوا أهل المذاهب، لأنا لو حملنا الآية عليه لكان هذا المعنى ضدا لمعنى الذي يدل عليه قراءة * (كذب) * بالتخفيف، وحينئذ تصير إحدى القراءتين ضدا للقراءة الأخرى، وذلك يوجب دخول التناقض في كلام الله تعالى، وإذا بطل ذلك وجب حمله على أن المراد منه أن كل من كذب نبيا من الأنبياء في الزمان المتقدم، فإنه كذبه بهذا الطريق، لأنه يقول الكل بمشيئة الله تعالى، فهذا الذي