الاخبار عن الرسول (ص). وأما الأشهر الأربعة فإنها كانت أجل من ذكرنا، وكان ابتداؤها يوم الحج الأكبر وانقضاؤها انقضاء عشر من ربيع الآخر، فذلك أربعة أشهر متتابعة، جعل لأهل العهد الذين وصفنا أمرهم فيها السياحة في الأرض، يذهبون حيث شاءوا، لا يعرض لهم فيها من المسلمين أحد بحرب ولا قتل ولا سلب.
فإن قال قائل: فإذا كان الامر في ذلك كما وصفت، فما وجه قوله: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقد علمت أن انسلاخها انسلاخ المحرم، وقد زعمت أن تأجيل القوم من الله ومن رسوله كان أربعة أشهر، وإنما بين الحج الأكبر وانسلاخ الأشهر الحرم خمسون يوما أكثره، فأين الخمسون يوما من الأشهر الأربعة؟
قيل: إن انسلاخ الأشهر الحرم إنما كان أجل من لا عهد له من المشركين من رسول الله (ص)، والأشهر الأربعة لمن له عهد، إما إلى أجل غير محدود وإما إلى أجل محدود قد نقضه، فصار بنقضه إياه بمعنى من خيف خيانته، فاستحق النبذ إليه على سواء غير أنه جعل له الاستعداد لنفسه والارتياد لها من الاجل الأربعة الأشهر، ألا ترى الله يقول لأصحاب الأشهر الأربعة، ويصفهم بأنهم أهل عهد براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله ووصف المجعول لهم انسلاخ الأشهر الحرام أجلا بأنهم أهل شرك لا أهل عهد، فقال:
وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله... الآية إلا الذين عاهدتم من المشركين... الآية، ثم قال: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم؟ فأمر بقتل المشركين الذين لا عهد لهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم، وبإتمام عهد الذين لهم عهد إذا لم يكونوا نقضوا عهدهم بالمظاهرة على المؤمنين وإدخال النقص فيه عليهم.
فإن قال قائل: وما الدليل على أن ابتداء التأجيل كان يوم الحج الأكبر دون أن يكون كان من شوال على ما قاله قائلو ذلك؟ قيل له: إن قائلي ذلك زعموا أن التأجيل كان من وقت نزول براءة، وذلك غير جائز أن يكون صحيحا لان المجعول له أجل السياحة إلى وقت محدود إذا لم يعلم ما جعل له، ولا سيما مع عهد له قد تقدم قبل ذلك بخلافه، فكمن لم يجعل له ذلك لأنه إذا لم يعلم ماله في الاجل الذي جعل له وما عليه بعد انقضائه فهو كهيئته قبل الذي جعل له من الاجل، ومعلوم أن القوم لم يعلموا بما جعل لهم من ذلك إلا