واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة الكوفيين: يضل به الذين كفروا بمعنى: يضل الله بالنسئ الذي ابتدعوه وأحدثوه الذين كفروا. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: يضل به الذين كفروا بمعنى: يزول عن حجة الله التي جعلها لعباده طريقا يسلكونه إلى مرضاته الذين كفروا. وقد حكي عن الحسن البصري: يضل به الذين كفروا بمعنى: يضل بالنسئ الذي سنة الذين كفروا، الناس.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: هما قراءتان مشهورتان، قد قرأت بكل واحدة القراء أهل العلم بالقرآن والمعرفة به، وهما متقاربتا المعنى، لان من أضله الله فهو ضال ومن ضل فبإضلال الله إياه وخذلانه له ضل، فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصواب في ذلك مصيب. وأما الصواب من القراء في النسئ، فالهمز، وقراءته على تقدير فعيل، لأنها القراءة المستفيضة في قراءة الأمصار التي لا يجوز خلافها فيما أجمعت عليه.
وأما قوله: يحلونه عاما فإن معناه: يحل الذين كفروا النسئ، والهاء في قوله:
يحلونه عائدة عليه.
ومعنى الكلام: يحلون الذين أخروا تحريمه من الأشهر الأربعة الحرم عاما ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله يقول: ليوافقوا بتحليلهم ما حللوا من الشهور وتحريمهم ما حرموا منها، عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم يقول: حسن لهم وحبب إليهم سيئ أعمالهم وقبيحها وما خولف به أمر الله وطاعته.
والله لا يهدي القوم الكافرين يقول: والله لا يوفق لمحاسن الأفعال وحلها وما لله فيه رضا، القوم الجاحدين توحيده والمنكرين نبوة محمد (ص)، ولكنه يخذلهم عن الهدى كما خذل هؤلاء الناس عن الأشهر الحرم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
12980 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنما النسئ زيادة في الكفر قال: النسئ: هو أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم في كل عام، وكان يكنى أبا ثمامة، فينادي: ألا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب، ألا وإن صفر العام الأول حلال فيحله الناس، فيحرم صفر عاما، ويحرم المحرم عاما، فذلك قوله تعالى: إنما النسئ زيادة في الكفر... إلى قوله: الكافرين. وقوله: إنما النسئ زيادة في الكفر يقول: يتركون المحرم عاما،