على المؤمنين في طعامهم وثمارهم التي تخرجها زروعهم وغروسهم، ثم نسخه الله بالصدقة المفروضة، والوظيفة المعلومة من العشر ونصف العشر وذلك أن الجميع مجمعون لا خلاف بينهم أن صدقة الحرث لا تؤخذ إلا بعد الدياس والتنقية والتذرية، وأن صدقة التمر لا تؤخذ إلا بعد الجفاف. فإذا كان ذلك كذلك، وكان قوله جل ثناؤه: وآتوا حقه يوم حصاده ينبئ عن أنه أمر من الله جل ثناؤه بإيتاء حقه يوم حصاده، وكان يوم حصاده هو يوم جده وقطعه والحب لا شك أنه في ذلك اليوم في سنبله، والثمر وإن كان ثمر نخل أو كرم غير مستحكم جفوفه ويبسه، وكانت الصدقة من الحب إنما تؤخذ بعد دياسه وتذريته وتنقيته كيلا، والتمر إنما تؤخذ صدقته بعد استحكام يبسه وجفوفه كيلا علم أن ما يؤخذ صدقة بعد حين حصده غير الذي يجب إيتاؤه المساكين يوم حصاده.
فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون ذلك إيجابا من الله في المال حقا سوى الصدقة المفروضة؟ قيل: لأنه لا يخلو أن يكون ذلك فرضا واجبا أو نفلا، فإن يكن فرضا واجبا فقد وجب أن يكون سبيله سبيل الصدقات المفروضات التي من فرط في أدائها إلى أهلها كان بربه آثما ولأمره مخالفا، وفي قيام الحجة بأن لا فرض لله في المال بعد الزكاة يجب وجوب الزكاة سوى ما يجب من النفقة لمن يلزم المرء نفقته ما ينبئ عن أن ذلك ليس كذلك. أو يكون ذلك نفلا، فإن يكن ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الخيار في إعطاء ذلك إلى رب الحرث والثمر، وفي إيجاب القائلين بوجوب ذلك ما ينبئ عن أن ذلك ليس كذلك. وإذا خرجت الآية من أن يكون مرادا بها الندب، وكان غير جائز أن يكون لها مخرج في وجوب الفرض بها في هذا الوقت، علم أنها منسوخة. ومما يؤيد ما قلنا في ذلك من القول دليلا على صحته، أنه جل ثناؤه أتبع قوله: وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ومعلوم أن من حكم الله في عباده مذ فرض في أموالهم الصدقة المفروضة المؤقتة القدر، أن القائم بأخذ ذلك ساستهم ورعاتهم. وإذا كان ذلك كذلك، فما وجه نهي رب المال عن الاسراف في إيتاء ذلك، والآخذ مجبر، وإنما يأخذ الحق الذي فرض الله فيه؟.
فإن ظن ظان أن ذلك إنما هو نهي من الله القيم بأخذ ذلك من الرعاة عن التعدي في مال رب المال والتجاوز إلى أخذ ما لم يبح له أخذه، فإن آخر الآية، وهو قوله: ولا تسرفوا معطوف على أوله وهو قوله: وآتوا حقه يوم حصاده. فإن كان المنهي عن