فدعاهم فكذبوه، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، فسألوه أن يأتيهم بآية، فجاءهم بالناقة، لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، وقال: ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فأقروا بها جميعا، فذلك قوله: فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى وكانوا قد أقروا به على وجه النفاق والتقية، وكانت الناقة لها شرب، فيوم تشرب فيه الماء تمر بين جبلين فيرجمونها، ففيهما أثرها حتى الساعة، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحلبوا اللبن فيرويهم، فكانت تصب اللبن صبا، ويوم يشربون الماء لا تأتيهم. وكان معها فصيل لها، فقال لهم صالح: إنه يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر، فذبحوا أبناءهم، ثم ولد للعاشر فأبى أن يذبح ابنه، وكان لم يولد له قبل ذلك شئ، فكان ابن العاشر أزرق أحمر، فنبت نباتا سريعا، فإذا مر بالتسعة فرأوه، قالوا:
لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا، فغضب التسعة على صالح لأنه أمرهم بذبح أبنائهم، فتقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون.
قالوا: نخرج، فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى سفر، فنأتي الغار فنكون فيه، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى المسجد أتيناه فقتلناه ثم رجعنا إلى الغار فكنا فيه، ثم رجعنا فقلنا ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون، يصدقوننا يعلمون أنا قد خرجنا إلى سفر. فانطلقوا فلما دخلوا الغار أرادوا أن يخرجوا من الليل، فسقط عليهم الغار فقتلهم، فذلك قوله:
وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون... حتى بلغ ههنا:
فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين. وكبر الغلام ابن العاشر، ونبت نباتا عجبا من السرعة، فجلس مع قوم يصيبون من الشراب، فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم، وكان ذلك اليوم يوم شرب الناقة، فوجدوا الماء قد شربته الناقة، فاشتد ذلك عليهم وقالوا في شأن الناقة: ما نصنع نحن باللبن؟ لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة، فنسقيه أنعامنا وحروثنا، كان خيرا لنا فقال: الغلام ابن العاشر: هل لكم في أن أعقرها لكم؟ قالوا: نعم. فأظهروا دينهم، فأتاها الغلام، فلما بصرت به شدت عليه،