ويعلمهم أن كل ذلك خير من كل ما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله وتعريهم، لا أنه أعلمهم أن بعض ما أنزل إليهم خير من بعض. وما يدل على صحة ما قلنا في ذلك الآيات التي بعد هذه الآية، وذلك قوله: يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما وما بعد ذلك من الآيات إلى قوله: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون فإنه جل ثناؤه يأمر في كل ذلك بأخذ الزينة من الثياب واستعمال اللباس وترك التجرد والتعري وبالايمان به واتباع أمره والعمل بطاعته، وينهي عن الشرك به واتباع أمر الشيطان مؤكدا في كل ذلك ما قد أجمله في قوله: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير.
وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله: ولباس التقوى استشعار النفوس تقوى الله في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه والعمل بما أمر به من طاعته وذلك يجمع الايمان والعمل الصالح والحياء وخشية الله والسمت الحسن، لان من اتقى الله كان به مؤمنا وبما أمره به عاملا ومنه خائفا وله مراقبا، ومن أن يرى عند ما يكرهه من عباده مستحييا. ومن كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه، فحسن سمته وهديه ورؤيت عليه بهجة الايمان ونوره.
وإنما قلنا: عنى بلباس التقوى استشعار النفس والقلب ذلك لان اللباس إنما هو ادراع ما يلبس واحتباء ما يكتسي، أو تغطية بدنه أو بعضه به، فكل من أدرع شيئا أو احتبي به حتى يرى هو أو أثره عليه، فهو له لابس ولذلك جعل جل ثناؤه الرجال للنساء لباسا وهن لهم لباسا، وجعل الليل لعباده لباسا.
ذكر من تأول ذلك بالمعنى الذي ذكرنا من تأويله إذا قرئ قوله: ولباس التقوى رفعا:
11238 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولباس التقوى: الايمان ذلك خير يقول: ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوآتكم.
11239 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولباس التقوى قال:
لباس التقوى خير، وهو الايمان.