ذلك بأي الكفارات الثلاث شاء، فمثله إن شاء الله قاتل الصيد من المحرمين، وأنه مخير في تكفيره قتله الصيد بأي الكفارات الثلاث شاء، لا فرق بين ذلك. ومن أبى ما قلنا فيه، قيل له: حكم الله تعالى على قاتل الصيد بالمثل من النعم، أو كفارة طعام مساكين، أو عدله صياما، كما حكم على الحالق بفدية من صيام أو صدقة أو نسك، فزعمت أن أحدهما مخير في تكفير ما جعل منه، عوض بأي الثلاث شاء، وأنكرت أن يكون ذلك للآخر، فهل بينك وبين من عكس عليك الامر في ذلك فجعل الخيار فيه حيث أبيت وأبى حيث جعلته له فرق من أصل أو نظير؟ فلن يقول في أحدهما قولا، إلا ألزم في الآخر مثله.
ثم اختلفوا في صفة التقويم إذا أراد التكفير بالاطعام، فقال بعضهم: يقوم الصيد قيمته بالموضع الذي أصابه فيه، وهو قول إبراهيم النخعي، وحماد، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وقد ذكرت الرواية عن إبراهيم وحماد فيما مضى بما يدل على ذلك، وهو نص قول أبي حنيفة وأصحابه.
وقال آخرون: بل يقوم ذلك بسعر الأرض التي يكفر بها. ذكر من قال ذلك:
9839 - حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر، قال في محرم أصاب صيدا بخراسان، قال: يكفر بمكة أو بمنى، وقال: يقوم الطعام بسعر الأرض التي يكفر بها.
9840 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو يمان، عن إسرائيل، عن جابر، عن الشعبي، في رجل أصاب صيدا بخراسان، قال: يحكم عليه بمكة.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن قاتل الصيد إذا جزاه بمثله من النعم، فإنما يجزيه بنظيره في خلق وقدره في جسمه من أقرب الأشياء به شبها من الانعام، فإن جزاه بالاطعام قومه قيمته بموضعه الذي أصابه فيه، لأنه هنالك وجب عليه التكفير بالاطعام، ثم إن شاء أطعم بالموضع الذي أصابه فيه وإن شاء بمكة وإن شاء بغير ذلك من المواضع حيث شاء لان الله تعالى إنما شرط بلوغ الكعبة بالهدي في قتل الصيد دون غيره من جزائه، فللجازي بغير الهدى أن يجزيه بالاطعام والصوم حيث شاء من الأرض.
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل العلم. ذكر من قال ذلك: