ظلمات الكفر، لا يبصر آيات الله فيعتبر بها، ويعلم أن الذي خلقه وأنشأه فدبره وأحكم تدبيره وقدره أحسن تقدير وأعطاه القوة وصحح له آلة جسمه، لم يخلقه عبثا ولم يتركه سدى، ولم يعطه ما أعطاه من الآلات إلا لاستعمالها في طاعته وما يرضيه دون معصيته وما يسخطه، فهو لحيرته في ظلمات الكفر وتردده في غمراتها، غافل عما الله قد أثبت له في أم الكتاب وما هو به فاعل يوم يحشر إليه مع سائر الأمم. ثم أخبر تعالى أنه المضل من يشاء إضلاله من خلقه عن الايمان إلى الكفر والهادي إلى الصراط المستقيم منهم من أحب هدايته فموفقه بفضله وطوله للايمان به وترك الكفر به وبرسله وما جاءت به أنبياؤه، وأنه لا يهتدي من خلقه أحد إلا من سبق له في أم الكتاب السعادة، ولا يضل منهم أحد إلا من سبق له فيها الشقاء، وأن بيده الخير كله، وإليه الفضل كله، له الخلق والامر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال قتادة.
10300 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: صم وبكم هذا مثل الكافر أصم أبكم، لا يبصر هدى ولا ينتفع به، صم عن الحق في الظلمات لا يستطيع منها خروجا له متسكع فيها. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين) *.
اختلف أهل العربية في معنى قوله: أرأيتكم فقال بعض نحويي البصرة: الكاف التي بعد التاء من قوله: أرأيتكم إنما جاءت للمخاطبة، وتركت التاء مفتوحة كما كانت للواحد، قال: وهي مثل كاف رويدك زيدا، إذا قلت: أرود زيدا، هذه الكاف ليس لها موضع مسمى بحرف لا رفع نصب، وإنما هي في المخاطبة مثل كاف ذاك، ومثل ذلك قول العرب: أبصرك زيدا، يدخلون الكاف للمخاطبة.
وقال آخرون منهم: معنى: أرأيتكم إن أتاكم أرأيتم، قال: وهذه الكاف تدخل للمخاطبة مع التوكيد، والتاء وحدها هي الاسم، كما أدخلت الكاف التي تفرق بين الواحد والاثنين والجميع في المخاطبة كقولهم: هذا، وذاك، وتلك، وأولئك، فتدخل الكاف للمخاطبة وليست باسم، والتاء هو الاسم للواحد والجميع، تركت على حال واحدة، ومثل ذلك قولهم: ليسك ثم إلا زيد، يراد: ليس ولا سيك زيد، فيراد: ولا سيما زيد، وبلاك، فيراد بلى، في معنى: ولبئسك رجلا ولنعمك رجلا وقالوا: أنظرك زيدا ما أصنع به،