* (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) *.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتي الجاحدون نبوتك، كثرة من أهلكت من قبلهم من القرون، وهم الأمم الذين وطأت لهم البلاد والأرض وطأة لم أوطئها لهم، وأعطيتهم فيها ما لم أعطكم. كما:
10183 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم يقول: أعطيناهم ما لم نعطكم.
قال أبو جعفر: أمطرت فأخرجت لهم الأشجار ثمارها، وأعطتهم الأرض ريع نباتها، وجابوا صخور جبالها، ودرت عليهم السماء بأمطارها، وتفجرت من تحتهم عيون المياه بينابيعها بإذني، فغمطوا نعمة ربهم وعصوا رسول خالقهم وخالفوا أمر بارئهم، وبغوا حتى حق عليهم قولي، فأخذتهم بما اجترحوا من ذنوبهم وعاقبتهم بما اكتسبت أيديهم، وأهلكت بعضهم بالرجفة وبعضهم بالصيحة وغير ذلك من أنواع العذاب.
ومعنى قوله: وأرسلنا السماء عليهم مدرارا المطر، ويعني بقوله: مدرارا:
غزيرة دائمة. وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين يقول وأحدثنا من بعدهم الذين أهلكناهم قرنا آخرين فابتدأنا سواهم.
فإن قال قائل: فما وجه قوله: مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ومن المخاطب بذلك؟ فقد ابتدأ الخبر في أول الآية عن قوم غيب بقوله: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن؟ قيل: إن المخاطب بقوله: ما لم نمكن لكم هو المخبر عنهم بقوله: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن ولكن في الخبر معنى القول، ومعناه: قل يا محمد لهؤلاء القوم الذين كذبوا بالحق لما جاءهم: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم. والعرب إذا أخبرت خبرا عن غائب وأدخلت فيه قولا فعلت ذلك فوجهت الخبر أحيانا إلى الخبر عن الغائب، وأحيانا إلى الخطاب،