فتقول: قلت لعبد الله: ما أكرمه، وقلت لعبد الله: ما أكرمك، وتخبر عنه أحيانا على وجه الخبر عن الغائب ثم تعود إلى الخطاب، وتخبر على وجه الخطاب له ثم تعود إلى الخبر عن الغائب. وذلك في كلامها وأشعارها كثير فاش وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد كان بعض نحوي البصرة يقول في ذلك: كأنه أخبر النبي (ص) ثم خاطبه معهم وقال: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة فجاء بلفظ الغائب وهو يخاطب، لأنه المخاطب. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) *.
وهذا إخبار من الله تعالى ذكره نبيه محمدا (ص) عن هؤلاء القوم الذين يعدلون بربهم الأوثان والآلهة والأصنام. يقول تعالى ذكره: وكيف يتفقهون الآيات، أم كيف يستدلون على بطلان ما هم عليه مقيمون من الكفر بالله وجحود نبوتك بحجج الله وآياته وأدلته، وهم لعنادهم الحق وبعدهم من الرشد، لو أنزلت عليك يا محمد الوحي الذي أنزلته عليك مع رسولي في قرطاس يعاينونه ويمسونه بأيديهم وينظرون إليه ويقرأونه منه معلقا بين السماء والأرض بحقيقة ما تدعوهم إليه وصحة ما تأتيهم به من توحيدي وتنزيلي، لقال الذين يعدلون بي غيري فيشركون في توحيدي سواي: إن هذا إلا سحر مبين: أي ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر سحرت به أعيننا، ليست له حقيقة ولا صحة مبين يقول: مبين لمن تدبره وتأمله أنه سحر لا حقيقة له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10184 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم قال:
فمسوه ونظروا إليه لم يصدقوا به.
10185 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:
ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم يقول: فعاينوه معاينة لقال الذين كفروا: إن هذا إلا سحر مبين.