فإن قال قائل: وما وجه إثباته في اللوح المحفوظ والكتاب المبين ما لا يخفى عليه، وهو بجميعه عالم لا يخاف نسيانه؟ قيل له: لله تعالى فعل ما شاء، وجائز أن يكون كان ذلك منه امتحانا منه لحفظته واختبارا للمتوكلين بكتابة أعمالهم، فإنهم فيما ذكر مأمورون بكتابة أعمال العباد ثم بعرضها على ما أثبته الله من ذلك في اللوح المحفوظ، حتى أثبت فيه ما أثبت كل يوم وقيل: إن ذلك معنى قوله: إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وجائز أن يكون ذلك لغير ذلك مما هو أعلم به، إما بحجة يحتج بها على بعض ملائكته وأما على بني آدم وغير ذلك. وقد:
10369 - حدثني زياد بن يحيى الحساني أبو الخطاب، قال: ثنا مالك بن سعير، قال: ثنا الأعمش، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحرث، قال: ما في الأرض من شجرة ولا كمغرز إبرة، إلا عليها ملك موكل بها يأتي الله، يعلمه يبسها إذا يبست ورطوبتها إذا رطبت. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) *.
يقول تعالى ذكره لنبيه (ص): وقل لهم يا محمد، والله أعلم بالظالمين: والله هو الذي يتوفى أرواحكم بالليل فيقبضها من أجسادكم، ويعلم ما جرحتم بالنهار يقول: ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار. ومعنى التوفي في كلام العرب: استيفاء العدد، كما قال الشاعر:
إن بني الأدرد ليسوا من أحد * ولا توفاهم قريش في العدد بمعنى: لم تدخلهم قريش في العدد. وأما الاجتراح عند العرب: فهو عمل الرجل بيده أو رجله أو فمه، وهي الجوارح عندهم جوارح البدن فيما ذكر عنهم، ثم يقال لكل مكتسب عملا: جارح، لاستعمال العرب ذلك في هذه الجوارح، ثم كثر ذلك في الكلام حتى قيل لكل مكتسب كسبا بأي أعضاء جسمه اكتسب: مجترح.