أفلا تعقلون يقول: أفلا يعقل هؤلاء المكذبون بالبعث حقيقة ما نخبرهم به من أن الحياة الدنيا لعب ولهو، وهم يرون من يخترم منهم ومن يهلك فيموت ومن تنوبه فيها النوائب وتصيبه المصائب وتفجعه الفجائع؟ ففي ذلك لمن عقل مدكر ومزدجر عن الركون إليها واستعباد النفس لها، ودليل واضح على أن لها مدبرا ومصرفا يلزم الخلق إخلاص العبادة له بغير إشراك شئ سواه معه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) *.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قد نعلم يا محمد إنه ليحزنك الذي يقول المشركون، وذلك قولهم له: إنه كذاب، فإنهم لا يكذبونك.
واختلفت القراء في قراءة ذلك بمعنى: أنهم لا يكذبونك فيما أتيتهم به من وحي الله، ولا يدفعون أن يكون ذلك صحيحا بل يعلمون صحته، ولكنهم يجحدون حقيقته قولا فلا يؤمنون به. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يحكي عن العرب أنهم يقولون: أكذبت الرجل: إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه. قال: ويقولون: كذبته: إذا أخبرت أنه كاذب.
وقرأته جماعة من قراء المدينة والعراقيين والكوفة والبصرة: فإنهم لا يكذبونك بمعنى:
أنهم لا يكذبونك علما، بل يعلمون أنك صادق، ولكنهم يكذبونك قولا، عنادا وحسدا.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء، ولكل واحدة منهما في الصحة مخرج مفهوم. وذلك أن المشركين لا شك أنه كان منهم قوم يكذبون رسول الله (ص) ويدفعونه عما كان الله تعالى خصه به من النبوة فكان بعضهم يقول: هو شاعر، وبعضهم يقول: هو كاهن، وبعضهم يقول: هو مجنون وينفي جميعهم أن يكون الذي أتاهم به من وحي السماء ومن تنزيل رب العالمين قولا. وكان بعضهم قد تبين أمره وعلم صحة نبوته، وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوته حسدا له وبغيا. فالقارئ: فإنهم لا يكذبونك يعني به: أن الذين كانوا يعرفون حقيقة نبوتك وصدق قولك فيما تقول، يجحدون أن يكون ما تتلوه عليهم من تنزيل الله ومن