وأما قوله: هديا فإنه مصدر على الحال من الهاء التي في قوله: يحكم به، وقوله: بالغ الكعبة من نعت الهدي وصفته. وإنما جاز أن ينعت به وهو مضاف إلى معرفة، لأنه في معنى النكرة، وذلك أن معنى قوله: بالغ الكعبة يبلغ الكعبة، فهو وإن كان مضافا فمعناه التنوين، لأنه بمعنى الاستقبال، وهو نظير قوله: هذا عارض ممطرنا فوصف بقوله: ممطرنا عارضا، لان في ممطرنا معنى التنوين، لان تأويله الاستقبال، فمعناه: هذا عارض يمطرنا، فكذلك ذلك في قوله: هديا بالغ الكعبة.
القول في تأويل قوله تعالى: أو كفارة طعام مساكين.
يقول تعالى ذكره: أو عليه كفارة طعام مساكين. والكفارة معطوفة على الجزاء في قوله: فجزاء مثل ما قتل من النعم.
واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة: أو كفارة طعام مساكين بالإضافة. وأما قراء أهل العراق، فإن عامتهم قرأوا ذلك بتنوين الكفارة ورفع الطعام: أو كفارة طعام مساكين.
وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب، قراءة من قرأ بتنوين الكفارة ورفع الطعام، للعلة التي ذكرناها في قوله: فجزاء مثل ما قتل من النعم.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: أو كفارة طعام مساكين فقال بعضهم: معنى ذلك أن القاتل وهو محرم صيدا عمدا، لا يخلو من وجوب بعض هذه الأشياء الثلاثة التي ذكر الله تعالى من مثل المقتول هديا بالغ الكعبة، أو طعام مسكين كفارة لما فعل، أو عدل ذلك صياما، لأنه مخير في أي ذلك شاء فعل، وأنه بأيها كان كفر فقد أدى الواجب عليه وإنما ذلك إعلام من الله تعالى عباده أن قاتل ذلك كما وصف لن يخرج حكمه من إحدى الخلال الثلاثة. قالوا: فحكمه إن كان على المثل قادرا أن يحكم عليه بمثل المقتول من النعم، لا يجزيه غير ذلك ما دام للمثل واجدا. قالوا: فإن لم يكن له واجدا، أو لم يكن للمقتول مثل من النعم، فكفارته حينئذ إطعام مساكين. ذكر من قال ذلك:
9819 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من