قال: ومالي وقد أتاني ربي في أحسن صورة، فقال: ففيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟
قلت: أنت أعلم فوضع يده بين كتفي، فعلمت ما في السماوات والأرض. ثم تلا هذه الآية: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين) *.
يقول تعالى ذكره: فلما واراه الليل وجنة، يقال منه: جن عليه الليل، وجنه الليل، وأجنه، وأجن عليه، وإذا ألقيت على كان الكلام بالألف أفصح منه بغير الألف، أجنه الليل أفصح من أجن عليه، وجن عليه الليل أفصح من جنه، وكل ذلك مقبول مسموع من العرب. وجنه الليل في أسد وأجنه وجنه في تميم، والمصدر من جن عليه جنا وجنونا وجنانا، ومن أجن إجنانا، ويقال: أتى فلان في جن الليل، والجن من ذلك، لأنهم استجنوا عن أعين بني آدم فلا يرون وكل ما توارى عن أبصار الناس فإن العرب تقول فيه: قد جن ومنه قول الهذلي:
وماء وردت قبيل الكرى * وقد جنه السدف الأدهم وقال عبيد:
وخرق تصيح البوم فيه مع الصدى * مخوف إذا ما جنه الليل مرهوب ومنه: أجننت الميت: إذا واريته في اللحد، وجننته. وهو نظير جنون الليل في معنى: غطيته. ومنه قيل للترس: مجن، لأنه يجن من استجن به فيغطيه ويواريه.