انتطحتا؟ قلت: لا، قال: لكن الله يدري وسيقضي بينهما. قال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله (ص)، وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى أخبر أن كل دابة وطائر محشور إليه، وجائز أن يكون معنيا بذلك حشر القيامة، وجائز أن يكون معنيا به حشر الموت، وجائز أن يكون معنيا به الحشران جميعا. ولا دلالة في ظاهر التنزيل ولا في خبر عن النبي (ص) أي ذلك المراد بقوله: ثم إلى ربهم يحشرون إذ كان الحشر في كلام العرب: الجمع، ومن ذلك قول الله تعالى: والطير محشورة كل له أواب يعني مجموعة: فإذ كان الجمع هو الحشر وكان الله تعالى جامعا خلقه إليه يوم القيامة وجامعهم بالموت، كان أصوب القول في ذلك أن يعم بمعنى الآية ما عمه الله بظاهرها، وأن يقال:
كل دابة وكل طائر محشور إلى الله بعد الفناء وبعد بعث القيامة، إذ كان الله تعالى قد عم بقوله: ثم إلى ربهم يحشرون ولم يخصص به حشرا دون حشر.
فإن قال قائل: فما وجه قوله: ولا طائر يطير بجناحيه وهل يطير الطائر إلا بجناحيه؟ فما في الخبر عن طيرانه بالجناحين من الفائدة؟ قيل: قد قدمنا القول فيما مضى أن الله تعالى أنزل هذا الكتاب بلسان قوم وبلغاتهم وما يتعارفونه بينهم ويستعملونه في منطقهم خاطبهم، فإذ كان من كلامهم إذا أرادوا المبالغة في الكلام أن يقولوا: كلمت فلانا بفمي، ومشيت إليه برجلي، وضربته بيدي خاطبهم تعالى بنظير ما يتعارفونه في كلامهم ويستعملونه في خطابهم، ومن ذلك قوله تعالى: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة. القول في تأويل قوله تعالى:
* (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشاء الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) *.
يقول تعالى ذكره: والذين كذبوا بحجج الله وأعلامه وأدلته، صم عن سماع الحق بكم عن القيل به في الظلمات يعني: في ظلمة الكفر حائر فيها، يقول: هو مرتطم في