وأما قوله: فمن اعتدى بعد ذلك فإنه يعني: فمن تجاوز حد الله الذي حده له بعد ابتلائه بتحريم الصيد عليه وهو حرام، فاستحل ما حرم الله عليه منه بأخذه وقتله فله عذاب من الله أليم يعني: مؤلم موجع. القول في تأويل قوله تعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام) *.
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا تقتلوا الصيد الذي بينت لكم، وهو صيد البر دون صيد البحر وأنتم حرم يقول: وأنتم محرمون بحج أو عمرة والحرم: جمع حرام، والذكر والأنثى فيه بلفظ واحد، تقول: هذا رجل حرام وهذه امرأة حرام، فإذا قيل محرم، قيل للمرأة محرمة. والاحرام: هو الدخول فيه، يقال: أحرم القوم: إذا دخلوا في الشهر الحرام، أو في الحرم. فتأويل الكلام: لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون بحج أو عمرة. وقوله: ومن قتله منكم متعمدا فإن هذا إعلام من الله تعالى ذكره عباده حكم القاتل من المحرمين الصيد الذي نهاه عن قتله متعمدا.
ثم اختلف أهل التأويل في صفة العمد الذي أوجب الله على صاحبه به الكفارة والجزاء في قتله الصيد. فقال بعضهم: هو العمد لقتل الصيد مع نسيان قاتله إحرامه في حال قتله، وقال: إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمدا قتله فلا حكم عليه وأمره إلى الله. قالوا:
وهذا أجل أمرا من أن يحكم عليه أو يكون له كفارة. ذكر من قال ذلك:
9782 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم من قتله منكم ناسيا لاحرامه متعمدا لقتله، فذلك الذي يحكم عليه. فإن قتله ذاكرا لحرمه متعمدا لقتله، لم يحكم عليه.
حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد في الذي يقتل الصيد متعمدا، وهو يعلم أنه محرم ومتعمد قتله، قال: لا يحكم عليه، ولا حج له.