شاهدتم وعاينتم لم تجدوها تدرك إلا الألوان، كما لم تجدوا أنفسكم تعلم موصوفا بالتدبير إلا ذا لون وقد وجدتموها علمته موصوفا بالتدبير غير ذي لون؟ ثم يسألون الفرق بين ذلك، فلن يقولوا في أحدهما شيئا إلا ألزموا في الآخر مثله. ولأهل هذه المقالة مسائل فيها تلبيس كرهنا ذكرها وإطالة الكتاب بها وبالجواب عنها، إذ لم يكن قصدنا في كتابنا هذا قصد الكشف عن تمويهاتهم، بل قصدنا فيه البيان عن تأويل آي الفرقان. ولكنا ذكرنا القدر الذي ذكرنا، ليعلم الناظر في كتابنا هذا أنهم لا يرجعون من قولهم إلا إلى ما لبس عليهم الشيطان مما يسهل على أهل الحق البيان عن فساده، وأنهم لا يرجعون في قولهم إلى آية من التنزيل محكمة ولا رواية عن رسول الله (ص) صحيحة ولا سقيمة، فهم في الظلمات يخبطون، وفي العمياء يترددون، نعوذ بالله من الحيرة والضلالة وأما قوله: وهو اللطيف الخبير فإنه يقول: والله تعالى ذكره الميسر له من إدراك الابصار، والمتأتي له من الإحاطة بها رؤية ما يعسر على الابصار من إدراكها إياه وإحاطتها به ويتعذر عليها. الخبير يقول: العليم بخلقه وأبصارهم والسبب الذي له تعذر عليها إدراكه فلطف بقدرته، فهيأ أبصار خلقه هيئة لا تدركه، وخبر بعلمه كيف تدبيرها وشؤونها وما هو أصلح بخلقه. كالذي:
10672 - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: اللطيف الخبير قال:
اللطيف باستخراجها، الخبير بمكانها. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ) * وهذا أمر من الله جل ثناؤه نبيه محمدا (ص) أن يقول لهؤلاء الذين نبههم هذه الآيات من قوله: إن الله فالق الحب والنوى... إلى قوله: وهو اللطيف الخبير على حججه عليهم، وعلى تبيين خلقه معهم، العادلين به الأوثان والأنداد، والمكذبين بالله ورسوله محمد (ص) وما جاءهم من عند الله. قل لهم يا محمد: قد جاءكم أيها العادلون بالله والمكذبون رسوله بصائر من ربكم أي ما تبصرون به الهدى من الضلال والايمان من الكفر. وهي جمع بصيرة، ومنه قول الشاعر: