ولكن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يستعمل ذلك إلا بأمر الله تعالى أو إجازته.. وهذه قضية مهمة في شخصيته وسلوكه صلى الله عليه وآله.. حيث أعطي وسائل العمل الإعجازي، ومع ذلك كان يعمل في كل أموره بالأسباب والقوانين الطبيعية العادية، ولا يستعمل الإعجاز إلا عندما يؤمر، أو عند (الضرورة).
إن الفرق بينه وبين موسى والخضر أن الخضر أعطي العلم اللدني أو علم الباطن فهو يعمل بموجبه، وموسى أعطي الشريعة أو علم الظاهر فهو يعمل بموجبها.. أما نبينا صلى الله عليه وآله فقد أعطي العلمين معا، ولكنه يعمل بالظاهر، إلا عندما يؤمر أو عند الضرورة!! وهذه هي سنة الله تعالى، فهو لا يطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضاه.. ولا يرتضيه إلا إذا استوعب مسألة العمل بالقوانين الطبيعية والغيبية وسلم لإرادة الله فيها.. ثم يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا!!
والقرآن أكبر، أو من أكبر، تلك الوسائل التي أعطاها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله.. وقد كان له ترتيب نزل به منجما في بضع وعشرين سنة، وكان يؤدي فيه إدارة أحداث النبوة وصناعة الأمة وتوجيه النبي والأمة، وتسجيل كل ذلك للأجيال..
ثم صار له ترتيب ككتاب تقرؤه الأجيال، كتاب له مقدمة وفصول وفقرات..
أحدث من كل ما أنتجه وينتجه المؤلفون في منهجة التأليف والأسلوب!!
فما المانع أن يكون للقرآن ترتيب ثالث، ورابع، وخامس، أملاه النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام، وادخره عنده مع وصيته المحفوظة وعهده المعهود إلى ولده المهدي الذي بشر به الأمة والعالم؟ والذي يظهر الله على يديه صدق دين جده على الدين كله، فتخضع لبراهينه العقول والأعناق.. أرواحنا فداه وعجل الله ظهوره.
أما نحن الشيعة فنعتقد بأن ذلك حدث، وأن نبينا صلى الله عليه وآله قد ورث علومه ونسخة القرآن المؤلفة تأليفا يؤثر تأثيرا معجزا في المادة والروح، ويظهر بها إعجاز القرآن وتأويله، إلى علي والحسن والحسين.. إلى أن وصلت إلى يد خاتم الأوصياء الموعود على لسان خاتم الأنبياء، الإمام المهدي أرواحنا فداه ونور نواظرنا بطلعته المباركة.