هذا هو الدليل الأول... والدليل الثاني، أن قراءات عمر التي كانت في نسخته التي عند حفصة لا توجد في المصحف الإمام.. ويكفي أن ترجع إلى ما قدمنا من قراءاته المروية عنه بأحاديث صحيحة، والتي كان يأمر بإثباتها في المصاحف ومحو ما عداها، مثل قراءة (وامضوا إلى ذكر الله) وغيرها وغيرها.. فإنك لا تجد لها أثرا في قرآننا الفعلي الذي هو المصحف الإمام، والحمد لله.
والدليل الثالث: إصرار الدولة على مصادرة مصحف حفصة وإحراقه، ولا يمكن أن يكون سبب ذلك إلا أن حفصة أو غيرها أشاعوا أن مصحف عثمان فيه نقص أو خلل.. الأمر الذي جعل الدولة تلح على أخذ النسخة، ولكن حفصة وقفت في وجه الدولة وقاومت إلى أن توفيت.. لكن الدولة ما أن فرغت من تشييع جنازة حفصة حتى وضعت يدها على النسخة و.. أحرقتها!! فلو كان المصحف الإمام نسخة عن مصحف عمر، لما استطاعت حفصة أو غيرها أن تتكلم بكلمة، ولما كان معنى لإصرار الدولة وافتعالها أزمة طالت أكثر من عشرين سنة مع أم المؤمنين وبنت عمر!!
قال في كنز العمال ج 2 ص 573:
(عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله وخارجة أن أبا بكر الصديق كان جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك، فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل، فكانت الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها، حتى عاهدها ليردنها إليها فبعثت بها إليه، فنسخها عثمان هذه المصاحف، ثم ردها إليها فلم تزل عندها، قال الزهري: أخبرني سالم بن عبد الله أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب فيها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها، فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسل إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بها مروان فشققت، وقال مروان إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذا المصحف مرتاب، أو يقول إنه قد كان فيها شئ لم يكتب - ابن أبي داود) انتهى. والمتأمل في هذه الرواية يطمئن بأن مصحف عمر كان فيه زيادة عن مصحفنا، كما صرح أبو موسى الأشعري عن مصحفه!