والذي يسترعي النظر أن الآية وصفت الطائفة الأولى بأربع صفات هي:
الإيمان، والهجرة والجهاد المالي والاقتصادي " وذلك عن طريق الإعراض عن أموالهم في مكة، وما بذلوه من أموال في غزوة بدر "، والصفة الرابعة جهادهم بأنفسهم ودمائهم وأرواحهم.
أما الأنصار فقد وصفتهم الآية بصفتين هما: الإيواء، والنصرة.
وقد جعلت هذه الآية الجميع مسؤولين بعضهم عن بعض، ويتعهد كل بصاحبه بقولها بعضهم أولياء بعض.
فهاتان الطائفتان - في الحقيقة - كانتا تمثلان مجموعتين متلازمتين لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الأخرى، إذ منهما يتكون نسيج المجتمع الإسلامي، فهما بمثابة " المغزل والخيط ".
ثم تشير الآية إلى الطائفة الثالثة فتقول: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا.
ثم استثنت في الجملة التي بعدها مسؤولية واحدة فحسب، وأثبتتها في شأن هذه الطائفة، فقالت: وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر... إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق.
وبتعبير آخر: يلزم الدفاع عن أولئك في صورة ما لو أصبحوا قبال عدو مشترك، أما إذا واجهوا كفارا بينكم وبينهم عهد وميثاق، فإنه يجب الوفاء بالعهد والميثاق، وهي مقدمة على الدفاع في هذه الصورة.
وحضت الآية على رعاية العهود والمواثيق والدقة في أداء هذه المسؤولية، ومنبهة إلى علم الله بكل الأمور، فقالت: والله بما تعملون بصير.
فهو يرى جميع أعمالكم ويطلع على ما تفعلون من جهاد، أو أداء للوظيفة الملقاة على عاتقكم، أو إحساس بالمسؤولية، كما يعلم بمن لم يعتن بالأمر، وكذلك بالوهن والضعف وعدم الإحساس بالمسؤولية إزاء هذه الوظائف