الضعف وخور العزيمة، ونتيجة هذا الضعف والفتور هي ذهاب هيبة المسلمين وقوتهم وعظمتهم وتذهب ريحكم.
" والريح " في اللغة، هي الهواء. فالنزاع يولد الضعف والوهن.
وأما ذهاب الريح، فهو إشارة لطيفة إلى زوال القوة والعظمة، وعدم سير الأمور كما يرام، وعدم تحقق المقصود، لأن حركة الريح فيما يرام توصل السفن إلى مقاصدها، ولما كانت الريح في ذلك العصر أهم قوة لتحريك السفن فقد كانت ذات أهمية قصوى يؤمئذ.
وحركة الريح في الرايات والبيارق تدل على ارتفاع الراية التي هي رمز القدرة والحكومة، والتعبير آنف الذكر كناية لطيفة عن هذا المعنى.
5 - ثم تأمر الآية بالاستقامة بوجه العدو، وفي قبال الحوادث الصعبة، فتقول: واصبروا إن الله مع الصابرين.
والفرق بين ثبات القدم في الأمر الأول، والاستقامة والصبر في الأمر الخامس، هو من جهة أن ثبات القدم يمثل الناحية الظاهرية، " الجسمية " أما الاستقامة والصبر فليسا ظاهريين، بل هما أمران نفسيان ومعنويان.
6 - وتدعو الآية الأخيرة - من الآيات محل البحث - المسلمين إلى اجتناب الأعمال الساذجة البلهاء، ورفع الأصوات الفارغة، وتشير إلى قضية أبي سفيان وأسلوب تفكيره هو وأصحابه، فتقول: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله.
فأهدافهم غير مقدسة، وكذلك أساليبهم في الوصول إليها، ولقد رأينا كيف أبيدوا وتلاشى كل ما جاءوا به من قوة وعدة، وسقط بعضهم مضرجا بدمائه في التراب، وأسبل الآخرون عليهم الدموع والعبرات في مأتمهم، بدل أن يشربوا الخمر في حفل ابتهاجهم، وتختتم الآية بالقول: والله بما يعلمون محيط.
* * *